الأحاديث التي وردت في الفتن غالباً ما تقترن بطريق العصمة والنجاة منها كما في فتنة المسيح الدجال، وهذا مما يستفاد من مدارستها، والمسلمون قبل خروج الدجال تكون لهم قوة كبيرة، ويخوضون حروباً هائلة يخرجون منها منتصرين، فيأتي الدجال ليقضي على قوة المسلمين التي تكون قد هدمت أقوى دولة في ذلك الوقت وهم الروم، ويكون المؤمنون قد استعادوا القسطنطينية وفتحوها، ويصرخ الشيطان بهم أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيتركون الغنائم ويعودون إلى ديارهم، ثم يخرج الدجال فلا يضع المسلمون سلاحهم، ولذلك فإن عيسى عندما ينزل يجد المسلمين يعدون العدة للقتال وهم يسوون الصفوف، ولاشك أن على كل مسلم حي في ذلك الوقت أن ينضم إلى القوة الإسلامية الحاملة لراية الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، وأن يثبت على الحق مهما اشتد البلاء، وهذا ما أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يحدثنا عن خروج الدجال حيث يقول:(إنه خارج خلة بين الشام والعراق -يعني: طريق بين حدود البلدين- فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا).
فليس هناك طريق للنجاة غير الثبات.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أي مسلم أن يأتي إلى الدجال مهما كان واثقاً من نفسه؛ فإن معه من الشبهات ما يزلزل بها الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم:(من سمع بـ الدجال فلينأ عنه، فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات)، ولا بأس على الذين لا يطيقون مقاومته أن يفروا من طريقه، وهذا ما يفعله كثير من الناس في ذلك الزمان، يقول صلى الله عليه وسلم:(ليفرن الناس من الدجال في الجبال) فإذا اضطر المؤمن إلى مواجهته فعليه أن يقوم بالأمر ويصدع بالحق ويحسن الحجاج، يقول صلى الله عليه وسلم:(إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم) يعني: لا تقلقوا فأنا أتولى حجاجه، وأبطل باطله، وجاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام حدثهم يوماً عن الدجال فخفض فيه ورفع حتى ظن الصحابة أنه في طائفة النخل من كثرة ما رفع صوته صلى الله عليه وسلم واحتد وغضب، فهو مشفق على الأمة من هذه الفتنة العظيمة، والصحابة من شدة تصوير النبي عليه الصلاة والسلام لفتنته ظنوا أنه مختبئ لهم في طائفة النخل القريبة.
يقول عليه الصلاة والسلام:(إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم) انظر إلى شفقته عليه الصلاة والسلام بأمته قال: (والله خليفتي على كل مسلم).
وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم ما يكشف حقيقة الدجال، فهو جسم مرئي يأكل ويشرب، والله لا يرى في الدنيا، والله منزه عن الطعام والشراب، وهذا الدجال أعور كما في الحديث:(إنه شاب قطط عينه طافية أشبه الناس به عبد العزى بن قطن)، ومن كان كذلك فإن دعواه الألوهية والربوبية كذب وافتراء بلاشك.