للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلود الجنة وخلود أهلها وجزاؤهم]

الجنة خالدة، وأهلها خالدون، لا يرحلون عنها أبداً، ولا يملون منها، وفي الدنيا لو أن الإنسان سكن أعظم قصر على وجه الأرض فلابد أن يصيبه الملل! أما الجنة فأهلها خالدون فيها لا يبغون عنها حولاً، فلا يملون أبداً كما يأتي الملل في هذه الحياة الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)، فالجنة نور يتلألأ، وريحانه تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبد في حبرة ونضرة، في دور عالية كريمة بهية، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:٢٠].

ويقول عز وجل في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

فمن حبس نفسه في الدنيا عن الشهوات وعن المعاصي عوضه الله سبحانه وتعالى في الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)، الكافر مطلق في الدنيا، يرتع في الشهوات والأهواء مثل البهائم، ولا يبالي بيوم القيامة، بينما يعيش المؤمن في الدنيا مثل السجين؛ قبل أن يشرب يبحث عن المشروب أحلال هو أم حرام؟ فيعوضه الله في الجنة، والجزاء من جنس العمل.

فمن شرب الخمر في الدنيا حرم منها في الآخرة، والحرير والذهب لا يلبسهما الرجل المؤمن في الدنيا؛ فيعوضه الله سبحانه وتعالى في الجنة، فيلبس المؤمن في الجنة الحلل والحرير والذهب والفضة وما هو أعظم من ذلك.

كذلك من يصبر عن النظر إلى الأجنبيات وإلى ما يحرم النظر إليه، يعقبه الله سبحانه وتعالى في الجنة بالزواج من الحور العين.

والذي يصون أذنه عن سماع الموسيقى والأغاني ومعازف الشيطان، يرزقه الله سبحانه وتعالى بالحور العين اللاتي يغنين له أحسن ما يكون من الغناء، وكما قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (ولا أذن سمعت)، فيعوضه الله بذلك لأنه حبس نفسه عما حرم الله في الدنيا، والجزاء من جنس العمل.

هؤلاء الذين يعبدون الله ويخفون عبادتهم في الليل كما يقول سبحانه وتعالى: ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ))، كأن بينه وبين الفراش خصام، فتتجافى جنبه عنه ويهجره ابتغاء مرضات الله {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦]، فما ثوابهم؟ الجزاء من جنس العمل، كما أخفوا عبادتهم في جوف الليل أخفى الله لهم الثواب فقال: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧].