[من أساليب طمس الهوية الإسلامية: التآمر على اللغة العربية]
ومن ذلك أيضاً: التآمر على اللغة العربية لشدة ارتباطها بالقرآن والإسلام، وأثرها في وحدة الأمة، وذلك عن طريق تشجيع اللهجات العامية، والمطالبة بكتابتها بالحروف اللاتينية، وتشجيع اللغات الأجنبية على حساب لغة القرآن الكريم، وتطعيم القواميس العربية بمفاهيم منحرفة كقاموس (المنجد)، والطعن في كفاءة اللغة العربية وقدرتها على مواكبة التطور العلمي.
وإذا كانت الثقافة هي مجموع القيم التي ارتضتها الجماعة لنفسها لتميزها عن غيرها من الجماعات فإن اللغة هي وعاء الثقافة، ومظهرها الخارجي الذي يميزها، ولغة المسلمين والعرب ليست مجرد لغة قومية كأي لغة أخرى، لكنها لغة دينية، بمعنى: أنها توحد حولها جميع المسلمين عرباً وعجماً؛ إذ هي لغة القرآن الكريم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقال المرتضى: من بغض اللسان العربي أداه بغضه إلى بغض القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك كفر صراح، وهو الشقاء الباقي نسأل الله العفو.
اللغة لها دور عظيم في توحيد وتماسك الهوية الإسلامية، وتوحيد الأمة الإسلامية، وأنا سأضرب مثالين يوضحان لنا هذه الحقيقة، وللأسف الشديد نضطر لذكر أمثلة من غير المسلمين: المثال الأول: نضربه بإيرلندا التي رزحت تحت الاحتلال الإنجليزي منذ أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وذاقت من الاحتلال الإنجليزي الويلات، خصوصاً على يد كرومويل الذي أعمل السيف في رقاب الإيرلنديين، وشحن عشرين ألفاً من شبابهم، وباعهم عبيداً في أمريكا، ونفى أربعين ألفاً خارج البلاد، وتمكن من طمس هويتهم بمحو اللغة الإيرلندية، وتزويدهم بالمجتمع البريطاني.
لما حاول بعض الوطنيين الإيرلنديين بعث أمتهم من جديد وبعث الهوية الإيرلندية من جديد أدركوا أن هذا لا يتم ما دامت لغتهم هي اللغة الإنجليزية، وما دام شعبهم يجهل لغته التي تميز هويته، وتحقق وحدته، وأسعفهم القدر بمعلم يتقن لغة الآباء والأجداد دفعه شعوره بواجبه إلى وضع الكتب التي تقرب اللغة الإيرلندية إلى مواطنيه، فهبوا يساعدونه في مهمته؛ حتى انبعثت لغتهم الإيرلندية من رقادها، وشاعت وصارت النواة التي تجمع حولها الشعب، فنال استقلاله، واستعاد هويته، وكافأ الشعب ذلك المعلم باتخاذه أول رئيس لجمهورية إيرلندا المستقلة، وهو الرئيس (ليبليرا) ما الذي وحدهم؟ وما الذي أعاد عليهم الهوية؟ إنها اللغة.
المثال الثاني: ألمانيا كانت مقاطعات متفرقة متنابذة إلى أن هب (هاردن) الأديب الألماني الشهير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، هب ينادي بأن اللغة هي الأساس الذي يوحد الشعوب، والنواة التي تؤلف بينها، فانطلق الأدباء يعكفون على تراثهم القديم أيام كانوا أمة واحدة، وقاموا بإنعاش تراثهم الأدبي، ونسجوا حوله قصصاً وبطولات شحذت ألباب الشباب، وتغنوا بجمال بلادهم وأمجاد أسلافهم، فتجمعت عواطفهم على حب الوطن الكبير، وتطلعت نفوسهم إلى الانضواء تحت لواء هوية ألمانية واحدة، وهو الأمر الذي مهد الطريق أمام بسمارك بتعبئة الشعور القومي وتوحيد ألمانيا وإقامة الإمبراطورية الألمانية التي كان بسمارك أول رئيس وزراء أو مستشاراً لها.
فإذا علمت هذا علمت كيف توحد سلوك يهود مع لغتهم العبرية التي انقرضت لمدة ألفي سنة ثم أعادوها من رقادها.
وإذا علمت هذا فاسمع وتعجب من المستشرق الألماني الذي يقول في شماتة: إن تركيا منذ حين لم تعد بلداً إسلامياً؛ فالدين لا يدرس في مدارسها، وليس مسموحاً بتدريس اللغتين العربية والفارسية في المدارس، وإن قراءة القرآن العربي وكتب الشريعة الإسلامية قد أصبحت الآن مستحيلة بعد استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية.