فكل هذه الكائنات مسلمة بالله عز وجل، كما قال سبحانه:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[آل عمران:٨٣].
وليس هذا فحسب، بل جميع الكائنات تؤمن بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في حين عمي كثير من الإنس الذين أوتوا العقول ورأوا الآيات عن هذا الحق، وكذبوا برسالته صلى الله عليه وآله وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنه ليس من شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس)، رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني.
ومناسبة هذا الحديث: أنه كان هناك جمل استعصى على الناس، وكان موجوداً في حائط أو بستان، وكان كل من اقترب منه يشد عليه هذا الجمل، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعاه إليه، فأتى الجمل بين يديه، ووضع أنفه على التراب أمام النبي عليه السلام وسكن؛ لأنه عرف أن هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولذلك لما تعجب الصحابة من ذلك أجاب الرسول عليه الصلاة والسلام وأزال تعجبهم بقوله:(إنه ليس من شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه قال للرجل المؤذن:(إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)، ثم قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري، فكل شيء يسمع صوت المؤذن يشهد له يوم القيامة.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)، أي: ما زال الحجر قائماً وموجوداً، وكان إذا رأى النبي عليه الصلاة والسلام قال له: السلام عليك يا محمد! أو يا رسول الله! وعن سفينة -وهو أبو عبد الرحمن مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقب سفينة لأنه حمل شيئاً كبيراً في السفر- أنه أخطأ الجيش بأرض الروم، فإذا هو بأسد، فقال: يا أبا الحارث! أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد وله بصبصة -يعني: يحرك الذنب، وكأنه يرحب به- حتى قام إلى جنبه وكلما سمع صوتاً أهوى إليه -أي: أهوى إليه الأسد؛ كي يحميه من أي ضرر يقع به في الطريق- ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى بلغ الجيش، ثم رجع الأسد.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:(لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)، وهذا جاء في أكثر من حديث عن الصحابة، فأحياناً يخرق الله العادة، كما أسمع داود تسبيح الجبال، فـ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول:(لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل).
يقول القرطبي رحمه الله تعالى: وإذا ثبت هذا في جماد واحد جاز في جميع الجمادات، وهو عام فيما فيه روح وفيما لا روح فيه.
ولكن القول بأنه تسبيح دلالة بحيث من رآها يقول: سبحان خالقها، ليس هذا التأويل بالقوي، والصحيح: أن الكل يسبح؛ للأخبار الدالة على ذلك، ونصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء، فالقول به أولى.