للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم السفر إلى بلاد الغرب لطلب المال والراحة]

السؤال

توجد الآن صحوة إسلامية كبيرة واسعة لا نظير لها في البلاد الإسلامية، والشباب المسلم يتعرض لمتاعب اقتصادية وأمنية مما يجعل الكثير منهم يفكر في الهجرة إلى بلاد الغرب، فما هو الحكم الشرعي في السفر إلى بلاد الغرب الكافرة؟ وهل هناك صحوة إسلامية حقيقة في الغرب؟

الجواب

مصطلح الصحوة الإسلامية يستعمل هناك أيضاً، والكلام في ذلك يطول، فهناك صحوة نسبية، والوجود الإسلامي في الغرب ما هو إلا قطرة في بحر لجي من الفتن يغشاه موج من فوقه موج من فوقه ظلمات، فالوضع ليس كما نحاول أن نقنع به أنفسنا، فالإخوة هناك غرباء في الدين، وغرباء عن الوطن، وكل أنواع الغربة تحققت فيهم، ونحن نعرف قصة الرجل الذي رأى حماراً وهو يريد أن يأكل الحمار فقال: ما أشبه أذنيه بأذني الأرنب! فهو يريد أن يقنع نفسه حتى يأكله.

وهكذا بعض الإخوة يريد أن يبيح لنفسه أن يذهب إلى تلك البلاد للإقامة؛ فيحاول أن يتخذ لنفسه هذه المعاذير، فيقول: إن هناك إخوة في المركز الإسلامي، لكن جميع الإخوة -بلا استثناء- يعانون أشد العناء، وما من أخ إلا وأمله الأسمى في الحياة أن يعود إلى بلاد المسلمين، لكن المشكلة أنه تعود على نمط الحياة هناك، ويرى أن عليه أن يتكيف على الأوضاع هنا إذا عاد، ويطلع على سوء أخلاق الناس وشدة الحياة، وغير ذلك من عوامل التنفير، لكن العاقل دائماً يعرف كيف يزن الأمور ويحسن تقدير العواقب.

فالذي يظن أنه سيذهب هناك ويحصل بعض المصالح بدون أن تمسه هذه الفتن أشبهه بطائر يريد أن يأخذ الحبة من الفخ، فأين ذلك الطائر الذي يستطيع أن يلتقط الحبة دون أن يقع في الفخ؟! وهذا يذكرنا بقصة القرد الذي رأى سمكة تصارع أمواج الطوفان، وتصعد وتغطس في حالة عناء من أمواج شديدة، ولا تتمكن من الاستقرار داخل الماء، فأشفق عليها هذا القرد، وأراد أن ينجيها، فأخذها من الأمواج ووضعها في منطقة رملية جافة حتى لا تعاني من الأمواج، فهلكت، وهذه هي النتيجة، فنحن بوصفنا مسلمين -ولا أقول: كمسلمين.

لأن هذا تعبير فيه نظر؛ لأننا في الحقيقة مسلمون- نحن لا تناسبنا الحياة في تلك البلاد، ولا تصلح لأمثالنا، فتلك البلاد لا تصلح لمن عنده دين ولا لمن عنده أخلاق.

حتى الناس الذين ليس عندهم دين في أوروبا أو أمريكا إذا وصل ابنه إلى التاسعة من عمره يسافر به إلى بلاد المسلمين ثم يعود؛ لأنه يعرف المصير المدمر المقطوع به إذا بقي بأولاده في تلك البلاد، فهم يعيشون في جحيم في الحقيقة، ولا تتصور الصورة المزيفة التي تعطى للشباب عن تلك البلاد.

إن السفارة الأمريكية والبريطانية وكذا السفارات الغربية تفزع من امتداد الطابور الطويل الذي يقف أمامها طمعاً في الحصول على تأشيرة الدخول إلى الجنة الموعودة.

وأقترح على السفارة الأمريكية وغيرها أن تكتب لافتة أمام السفارة يكتب عليها (إنما نحن فتنة فلا تكفر) حتى يقيموا الحجة على من يريد أن يدخل تلك البلاد قبل أن يدخلها.

أقول: إن من يدخل هناك يكفر، لكن لا تنس أن الشباب الإسلامي الذي يتواجد هناك في المراكز الإسلامية قليل جداً، ولو قارنت بين الذين يترددون على المساجد ويحافظون على دينهم وبين الذين يذوبون في الطوفان المدمر ويضيعون تماماً ويتركون دينهم وأخلاقهم وكل شيء لرأيت النسبة بعيدة، فالأصل أن الناس هناك يفتنون، والذي ينجو نادر.

فالشاهد أن تلك البلاد لا تصلح لمعيشة المسلم الذي يريد أن يحافظ على دينه، والحقيقة أن الحديث ذو شجون، ويطول جداً إذا تعمقنا فيه، لكن يكفينا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين لا تتراءى نارهما)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في بلادهم) وكنت أذكر الأخوة هناك بالحديث، وإياك أعني واسمعي يا جارة.

ونحن نعلم حديث الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، فدل على راهب فسأله: هل لي من توبة؟ فقال له: وأنى لك التوبة؟! فقتله وكمل به المائة، فهو آيسه من رحمة الله، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على العالم، فقال: من يحول بينك وبين التوبة؟! وبعد أن أرشده إلى التوبة ورغبه فيها، أمره بالتحول وتغيير البيئة، فقال: هناك بلدة فيها قوم صالحون يعبدون الله فاعبد الله معهم.

ولما أتت الملائكة لتقبض روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فملائكة العذاب قالت: لم يعمل أي شيء من أعمال الخير، وملائكة الرحمة تقول: أتى تائباً إلى الله عز وجل.

فاتفقوا على أن أول قادم عليهم يحكم بينهم، فقيض الله ملكاً، فحكم أن يقيسوا المسافة، فهل هو أقرب إلى البلدة الصالحة أم البلدة غير الصالحة، وفي بعض الروايات أنه لما قبض اقترب بشبر، فزحف حتى يكون أقرب إلى البلدة الصالحة، وقد يكون هذا سبباً من أسباب نجاته، وفي رواية أن الله أمر الأرض أن تمتد حتى يكون أقرب إلى البلدة الصالحة، وعندما نتذكر هذا الحديث ونحن نتكلم عن الهجرة إلى بلاد الشياطين والكفار وأصحاب الجحيم والسعير نرى أن الذي يسأل الناس هنا أكرم له وأفضل من أن يذهب هناك فيفسد دينه، ويفسد -أيضاً- دنياه، فتكون دنياه لا بركة فيها.

فأين نحن من هذا الحديث؟ هذا الرجل جاهد حتى يكون أقرب إلى البلدة الصالحة، فما أبعد المسافة بين بلاد الكفار وبلاد المسلمين، فلماذا تذهب هناك؟! نعم هناك نشاط إسلامي، والإخوة هناك ينقسمون إلى معذورين وآثمين، هناك معذورون من بعض المسلمين، هم من بلادهم مطرودون، وما هناك بلاد تؤويهم، فلا حرج عليهم حينئذ لأسباب كثيرة، لكن لا شك في أن هناك قسماً كبيراً جداً من الآثمين الذين لا يحل لهم بأي حال من الأحوال البقاء فيها، وأنا أكرر كلمة قالها الشيخ عباس المدني حفظه الله، قال لبعض إخواننا لما كان هناك في أوروبا: لا أقول لكم: إنكم تغرقون، بل أنتم في الحقيقة غرقى.

وضرب لهم مثلاً فقال: لو أن عندنا مليار مارك -وهي العملة الألمانية- فأخذت منه ماركاً واحداً، فكم خسر المليار؟ إن المليار لم يخسر شيئاً، لكن كم خسر المارك؟ لقد خسر المليار.

يعني أن الإنسان حين يخرج من المجتمع الإسلامي يخسر كل هذا المجتمع، والمجتمع لا يخسر شيئاً، الخاسر في الحقيقة هو، وأنا أقول هذا ونحن نعيش في الفتن، ونعاني جميعاً كل العناء، لكن من أراد إلا التحول فأرض الله واسعة كما أخبر الله، فيهاجر إلى مكان أفضل أمناً، وأفضل من حيث الرزق، وأفضل من حيث الدين، ولا يذهب إلى مكان أسوأ، فالعاقل يختار ما هو أحسن، ويقدم الدين على الدنيا، فأرض الله واسعة، فيجتهد في الهجرة إلى أي بلاد من بلاد المسلمين بعيداً عن هذا الجحيم في الغرب.