مرحلة المراهقة من أخطر مراحل نمو الإنسان، بمعنى أنها تتطلب رعاية خاصة، فإذا تصورنا دائرتين متداخلتين، دائرة الطفولة ودائرة الرشد، فإذا تداخلت هاتان الدائرتان تولدت بينهما المسافة المشتركة، وهي مرحلة المراهقة، ويكاد المراهق إذا وقف على أطراف أصابعه أن يتطلع إلى عالم الرجولة، وفي نفس الوقت يريد أن يتخلص من آثار مرحلة الطفولة كما سنبين إن شاء الله تعالى.
فخطورة هذه المرحلة بجانب مرحلة الطفولة؛ لأنها أساس بناء الشخصية، والشخصية يبدأ تكوينها مبكراً أكثر مما نتخيل؛ فنحن ننظر للطفل الرضيع على أنه مضغة لحم نلهو بها ونفرح بها فقط، لكن الجوانب التربوية نهملها مع الرضع ثم مع الأطفال بعد ذلك في المراحل المختلفة، على حين أننا نجهل أن بذور الخير أو الشر أو الصحة النفسية أو الأمراض النفسية كلها توضع في هذه المرحلة الأولى، ولا تلبث أن تنمو حتى تظهر فيما بعد، ثم إذا بلغ عمره ثمان عشرة سنة أو عشرين سألنا: أين التربية؟ ولم يعد هناك تربية في هذه السن؛ بل هو علاج؛ لأن التأسيس وبناء الشخصية ينتهي في مرحلة المراهقة، وكل ما يأتي بعد مرحلة المراهقة والطفولة يكون نتاجاً وثمرة لما تلقاه الإنسان من تربية في فترة الطفولة ثم المراهقة.
إذاً: لو تمكنت الصفات والخصائص من الشخصية في مرحلة البناء والتأسيس، فما بعد ذلك هو ثمرة لهذه التربية، والتربية لا تبدأ بعد اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين سنة، ولكنه علاج للتربية الخاطئة، كما لو وجد إنسان فيه عاهات نفسية فإنه يحتاج إلى علاج وليس إلى تربية؛ لأن التربية قد فات وقتها، ونحن لا نيأس ولا نؤيس ولكن ننبه على أهمية الاهتمام المبكر بالتربية المبكرة منذ أول يوم يولد فيه الطفل، بل في الحقيقة منذ كان جنيناً في بطن أمه، بل أخص من ذلك منذ أن اختار أمه التي ستلده.
أيضاً هذه المرحلة هي مرحلة تأسيس وبناء شخصية هذا الإنسان وتحديد ملامحها، كما أنها مرحلة مفترق الطرق بالنسبة للمراهق، ويكون له أحاسيسه المرهفة، وبالتالي يتخذ في هذه المرحلة قرارات مصيرية تؤثر في كل مستقبله فيما بعد.
مثال: الطالب يحدد اتجاهه في الدراسة أو المهنة خلال هذه المرحلة، وتتخذ قرارات مصيرية ومستقبلية؛ إذاً: التوعية المبكرة بهذه الأمور تقي كثيراً من المخاطر، فالاهتمام بهذه القضية هو من باب أن الوقاية خير من العلاج، وكما يقولون: الدفع أسهل من الرفع، قبل أن تنزل المصيبة اتق حصولها من البداية، إذا جاءت سيارة أيهما أسهل: أن تدفع السيارة أم أن ترفعها في الهواء؟ لا شك أن الدفع أسهل من الرفع، وهذا هو نفس معنى: الوقاية خير من العلاج؛ ولذلك كلما زاد الإنسان وعياً كلما احتاط في اتخاذ الإجراءات الوقائية، ونتائجه تكون مضمونة وأقرب من الإجراءات العلاجية؛ لأنه قد يستجيب للعلاج أو لا يستجيب.