من خصائص النمو الانفعالي: الذاتية: أي: إعجاب المراهق بذاته، فهو يعتد بها، ويعتقد في نفسه أنه محط أنظار الناس، وبؤرة اهتمامهم، ويسيطر على بعضهم الاعتقاد بأن الناس ينظرون إليهم كما ينظرون هم إلى أنفسهم، أو هكذا يجب أن يكون رأي الآخرين فيه، وهذا ناتج عن قلة أو فقد التوازن الانفعالي والعاطفي لديه، وعن التحولات الفجائية والسريعة المؤدية للرجولة؛ مما يشعره بالاكتمال والتمام.
فهذه التطورات الجديدة في عقله في جسمه في انفعالاته في نموه الاجتماعي تلقي في روعه أنه مستحق أن الناس ينظرون إليه كما ينظر هو في نفسه، وأنه يستحق هذه المكانة؛ لأنه الآن اكتمل وتم.
أيضاً نفس الخصائص تنتج نتيجة قلة الخبرة والتجربة اللتين تساعدان على الواقعية، وتحجمان من جموح المراهق وخياله، لذلك كان سبب ظاهرة الذاتية والاعتداد بالذات أن المراهق عنده حساسية مرهفة لنقد الآخرين، فلا يكاد يتحمل النقد بسبب هذه الخاصية من خصائص المراهقة، وهي الذاتية وإعجابه بنفسه؛ فيكون ذا حساسية مرهفة لنقد الآخرين، ويتألم من ذلك ويتوجع، وقد يطوي حسراته وآلامه عن الآخرين.
وهذه الحساسية للنقد والرهافة في مواجهة مشاعر الآخرين إنما نتجت بسبب ما يشعر به من خسارة وخيبة أمل فيما كان يعتقده عن رأي الآخرين فيه، فبدل المدح إذا به يجد الذم؛ وبدلاً من ذكر مزاياه يذكرون مثالبه بدلاً من أن يشيدوا بحاله إذا بهم يستسفهون حاله، أو يشوهون صورته بدلاً من تلميعه والثناء عليه كما يرى هو نفسه.
فأحلام المراهق وخيالاته وغلبة عواطفه وانفعالاته تضفي عليه قوة وكمالاً وفتوة، وتصوره عند نفسه على درجة من الأهمية والقيمة لا حقيقة لها في الواقع، ولا وجود لها عند الناس، بل إن عكس الصورة هو ما يعتقده الناس عنه، فهو ما زال صغيراً غير قادر على تحمل المسئولية، وممارسة المهام الصعبة، لذلك يصير في بعض الأحيان ناقماً على والديه، أو المجتمع، فما من أحد يفهمه، أو يشعر بأنه قد أصبح شخصاً آخر، ولا يعامل بالمعاملة التي يستحقها، ولا يرونه كما ينبغي أن يروه؛ فتبدأ العبارات تترا على لسانه: لا أحد يفهمني، أنا أفهم منكم، أنا أعرف بحالي، أنا لا أريد أن أجلس إلا مع أصحابي؛ لأن أصحابي هم الذين يفهمونني.
وتبدأ موجات الغضب والاشمئزاز من مجتمع الكبار، ويشرع المراهق في الممارسات الدالة على هروبه من قضاء الوقت مع والديه، ومن الجلوس في منتديات الكبار ومناسباتهم، والضيق والتبرم من تلك المجالس، فينزوي وينحاز إلى مجتمع الشلة أو الجماعة التي ينتمي إليها، ويشتد ولاؤه لهذه الجماعة أقوى من ولائه لوالديه، وارتباطه بأصدقائه يكون أقوى من ارتباطه بالوالدين أو بالبيت.
هذه الذاتية تعد من الاعتبارات المهمة التي يجب أن تلحظ عند التعامل مع المراهق وتربيته، أو عند حل مشكلاته، ومعالجة انحرافاته.
فمثلاً الإنسان لابد أن يكون حذراً في النقد أو عند إسداء النصح، وتكون الطريقة غير المباشرة أنجح وأوقع في نفسه، فالمفروض الانتباه لهذه الحساسية، وأنه لا يكاد يتحمل النقد، وقد تكون هذه الذاتية هي منبع الحساسية المرهفة، أو الرفض والمواجهة، أو الخيبة والإحباط، ومن ثم العزلة والانطوائية، أو الارتماء في أحضان رفقة السوء والانقطاع إليهم، وقد تكون هذه الذاتية هي سبب الغرور والعجب والمثالية، أو الطموح الزائد، أو الإغراق في العناية بشكله وهندامه، إلى آخره.