للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبودية عامة وخاصة]

أما العبودية فهناك عبودية عامة، وهناك عبودية خاصة.

فالعبودية العامة بمعنى أن كلمة (العبد) يقصد بها المعنى العام للعبادة، فعبد بمعنى: معبد.

وتأتي العبادة الخاصة التي فيها (عبد) بمعنى عابد.

والعبودية العامة هي عبودية القهر والتسخير لنفاذ أمر الله تبارك وتعالى في كل شيء، فلا يقدر كائن أن يمتنع عن شيء جبله الله عليه، وهذه العبودية تشمل جميع الكائنات؛ لأن الله سبحانه وتعالى يتصرف في خلقه بمحض ربوبيته بما يشاء وكيف شاء، حتى أطغى الطغاة وأكبر الجبارين إذا شاء الله سبحانه وتعالى أن يقبض روحه قبض روحه، وإن شاء أن يمرضه أمرضه، فيتصرف في خلقه سبحانه وتعالى بما شاء، ولا راد لمشيئته ولا لقضائه تبارك وتعالى، ولا يستطيع أحد أبداً أن يخرج عما يقدره الله له.

فهذه العبودية تشمل جميع الناس: المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، وأهل الجنة وأهل النار، يقول تبارك وتعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:٨٣]، ويقول تبارك وتعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:٩٣]، وقال عز وجل في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)، فجميع الكائنات لا تخرج عن مشيئته وقدرته وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، فهذه عبودية القهر والملك والتصرف كما تقتضيه ربوبيته تبارك وتعالى.

فالعبودية هنا عامة، والعبد هنا بالمعنى العام للعبودية بمعنى: معبد، أي مقهور وذليل خاضع لكل ما يجريه الله سبحانه وتعالى عليه.

أما العبودية الخاصة فهي العبودية الاختيارية، عبودية الطاعة والانقياد والمحبة والاختيار، وهذه العبودية تصدر من المؤمنين الموحدين الذين يقومون بطاعته تعالى وتمجيده وتقديسه، من الجن والإنس والملائكة، فعبد هنا بمعنى: عابد العبودية الاختيارية، ومنه قوله تبارك وتعالى: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:٦٨]، وقوله: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:١٧ - ١٨]، وقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هونًا} [الفرقان:٦٣]، وقوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:٦].

إذاً: الخلق كلهم عبيد ربوبيته عز وجل، وأهل طاعته وولايته هم عبيد ألوهيته، فالعبودية العامة هي الملك والقهر والتسخير، أما العبودية الاختيارية فهي توحيد المعبود باختياره، فالخلق كلهم عبيد ربوبيته، وأهل طاعته وولايته هم عبيد ألوهيته.