أخيراً: في ذلك الموقف يمقت أصحاب النار أنفسهم، ويكرهونها، ويبغضونها، يقول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}[غافر:١٠]، ويمقتون أيضاً كل الذين كانوا لهم أنصاراً وخلاناً في الدنيا، بل يدعون عليهم، ويطلبون لهم المزيد من العذاب:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}[الأحزاب:٦٦ - ٦٨]، ولشدة حنقهم على من أضلهم يسألون الله أن يريهم هؤلاء الذين أضلوهم؛ ليدوسوهم بأقدامهم، فهؤلاء الذين كانوا يرفعونهم فوق الرءوس، ويفدونهم بالروح والدم، يوم القيامة يدعون الله سبحانه وتعالى أن يحضر لهم هؤلاء حتى يدوسوا على رءوسهم بأقدامهم، يقول الله عز وجل:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ}[فصلت:٢٩]، فعندما يدخلون النار ترتفع أصواتهم، ويلعن بعضهم بعضاً، ثم يتمنى بعضهم لبعض مزيداً من العذاب {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:٣٨].
هذه الآيات تبين التخاصم الذي وصفه الله بقوله:{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}[ص:٦٤]، وقمة الخصام يكون بين الإنسان وبين أعضائه كما ورد في سورة يس في قوله سبحانه وتعالى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس:٦٥]، وقد بينا صوراً أخرى من هذا الخصام كخصام العابدين والمعبودين، وخصام الأتباع للسادة المتبوعين، وخصام الضعفاء للمتكبرين، وخصام الإنسان لقرينه، وخصام الكافر لأعضائه، بل وخصام الروح والبدن، وكيف أنه ينتهي بهم الأمر إلى أنهم يمقتون أنفسهم، ويمقتون أنصارهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك -اللهم- ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.