كذلك من أسباب الحسد: خبث النفس، فتكون نفس الحاسد خبيثة يشق عليها وجود الخير لعباد الله، فالحاسد يشق عليه ولا يتحمل قلبه أن يكون عنده حب حال عبد أنعم الله عليه، ويفرح بذكر فوات مقاصده، واضطراب وجوده، وتنغص عيشه، فهو أبداً يحب الكدر لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، وكأنهم يأخذون ذلك من ملكه! وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس، ورذالة في الطباع، وهذا معالجته شديدة وصعبة؛ لأنه خبث في الجبلة لا عن عارض حتى يتصور زواله، يعني: ليس حسده بسبب حصول النعمة لغيره، وإنما هو يكره وقوع النعمة بذاتها، ولا يريدها لنفسه، ولا لغيره، لكن يكرهها من حيث هي نعمة، فهذا معالجته شديدة؛ لأن هذا ليس رد فعل، لكنه أصل متأصل في نفسيته.
فهذه الأسباب قد يجتمع بعضها مع بعض، فيقوى الحسد إذا اجتمعت الأسباب وتكاثرت، ويضعف إذا تفرقت، وبالطبع تقوى قوة الحسد بحيث لا يقدر هذا الحاسد على المجاملة، بل ينتهك حجاب المجاملة، ويظهر المعاداة بالمكاشفة، أعاذنا الله من ذلك.