[الحجج التي ساقها الرازي على أن الاسم الأعظم هو لفظ الجلالة]
ساق فخر الدين الرازي في كتابه: شرح أسماء الله الحسنى حجج من قال: إن الاسم الأعظم هو الله، فمن هذه الحجج: أولاً: أن هذا الاسم ما أطلق على غير الله سبحانه وتعالى، حتى العرب في أشد ما وصلوا إليه من الشرك لم يطلقوا لفظ الجلالة (الله) على غير الله سبحانه وتعالى، فإن العرب كانوا يسمون الأوثان آلهة، إلا هذا الاسم فإنهم ما كانوا يطلقونه على غير الله سبحانه وتعالى، والدليل عليه قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:٣٨] وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥] معناه: هل تعلم من اسمه (الله) سوى الله؟! ولما كان هذا الاسم في الاختصاص بالله سبحانه وتعالى على هذا الوجه وجب أن يكون أشرف أسماء الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: أن هذا الاسم هو الأصل في أسماء الله سبحانه وتعالى، وسائر الأسماء مضافة إليه تابعة له، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠] فأضاف سائر الأسماء إليه، ولا محالة أن الموصوف أشرف من الصفة، ولأنه يقال: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس كلها من أسماء الله تعالى، ولا يقال: الله اسم الرحمن الرحيم، فدل هذا على أن الاسم هو الأصل.
فإن قيل: لفظ (الله) قد جعل نعتاً في قوله تعالى في أول سورة إبراهيم: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [إبراهيم:١ - ٢] ف
الجواب
أن نافعاً وابن عامر قرأا بالرفع على الاستئناف، أي: فلا يرد هذا الإشكال؛ لأن قراءة ابن عامر ونافع: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهَ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [إبراهيم:١ - ٢]، ففي هذه القراءة ليس هناك تبعية، فرفع (الله) على الاستئناف والخبر يأتي بعد، أما الباقون فقرءوها: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [إبراهيم:١ - ٢] عطفاً على قوله (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
وقال أبو عمرو: والخفض على التقديم والتأخير يعني: قراءة {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [إبراهيم:١ - ٢]، تقديم (صراط الله العزيز الحميد، الذي له ما في السماوات وما في الأرض) التفاتاً منه إلى هذا المعنى، وهو أن الأصل هو الله، وما بعده يكون مضافاً إليه، فلذلك حتى الذي قرأ بالجر على النعت: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم:١] (الله الذي) قال: هي من حيث القراءة هكذا، لكن من حيث التفسير فيها تقديم وتأخير بمعنى: إلى صراط الله العزيز الحميد الذي له، حتى تأتي العزيز الحميد بعد الاسم الأصلي الذي هو الله سبحانه وتعالى.
ثالثاً: من أدلة الرازي التي ساقها واستدل بها من ذهب إلى أن الاسم الأعظم هو (الله) قوله سبحانه وتعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠] خص هذين الاسمين بالذكر؛ وذلك يدل على أنهما أشرف من غيرهما، ثم إن اسم الله أشرف من اسم الرحمن لأمور: أولاً: لأنه يذكر قبله في الذكر، دائماً نبدأ بلفظ الجلالة، ثم تأتي بالرحمن بعدها، فهذا التقديم يشير إلى أنه أشرف منه، كما تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فتقدم اسم الله سبحانه وتعالى.
كذلك: أي إنسان سواء في الذكر في القصص في المواعظ فإنه دائماً يقدم اسم الله على ما عداه من الأسماء، وخاصة اسم الرحمن.
ثانياً: أن اسم الرحمن يدل على كمال الرحمة، ولا يدل على كمال القهر والغلبة والعظمة والعزة، وأما اسم الله فإنه يدل على كل ذلك، فثبت أن اسم الله تعالى أشرف.
رابعاً: هذا الاسم له خاصية غير حاصلة في سائر الأسماء، اختص بخاصية غير موجودة فيما عداه من الأسماء الحسنى، وهي أن سائر الأسماء والصفات إذا دخل عليها النداء أسقط عنها الألف واللام، ولهذا لا يجوز أن يقال: يا الرحمن! يا الرحيم! يا العزيز! يا الحكيم! بل يقال: يا رحمن! يا رحيم! يا عزيز! يا غفور! يا تواب! أما هذا الاسم فإنه يحتمل هذا، فيصح أن يقال: يا ألله؛ وذلك أن الألف واللام في هذا الاسم صار كالجزء الذاتي، فلا جرم ألا يسقطان حالة النداء؛ وفيه إشارة لطيفة، وذلك أن الألف واللام للتعريف، فعدم سقوطهما عن هذا الاسم يدل على أن هذه المعرفة لا تزول أبداً ألبتة، فلذلك لا تفارقها الألف واللام، تقول: يا ألله أو اللهم، لكن لا تقول: يا إله مثلاً.