للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحديات وعقبات على طريق المراهقة]

أما عن التحديات التي تواجه الآباء والمربين؛ فإن الطريق ليس مفروشاً بالورود، لكن هناك تحديات جسيمة تواجههم يجب عليهم أن يقهروها.

فالتحدي الأول يتمثل في سمات وخصائص المراهقة بقوة غرائزها، وعنادها واندفاعها والميل إلى مقاومة توجيه الآباء والمربين، والنزعة الاستقلالية، والميل إلى المناقشة والجدل وخاصة في مسائل الدين إلى حد الشك أحياناً؛ مما يتطلب منهم قدراً كبيراً من الحلم والصبر وسعة الصدر.

التحدي الثاني: وهو ما يبذله أعداء الدين وأعداء الإسلام من جهد مكثف للانحراف بأبنائنا بعيداً عن الإسلام وقيمه؛ مستخدمين في ذلك من أساليب التشويق ما يسحر ألباب تلك البراعم البشرية الغضة، ويزين لهم طريق الغواية والانحراف بدعوى الحرية والتحرر والاستقلال في الرأي، تلك المعاني التي تصادف هوىً لدى المراهق على وجه الخصوص؛ ولذلك فعلى من أراد أن يبني أمة أن يستثمر مرحلة المراهقة، ومن أراد أن يحصن أمة فعليه أن يستثمر مرحلة المراهقة.

فهذا التزيين للغواية والانحراف بدعوى التحرر والاستقلالية، وتلك المعاني التي تصادف هوى لدى المراهق على وجه الخصوص، وتتفق تماماً مع حاجاته النفسية، ويجد أن فيها تأكيداً لذاته، فتراه يستجيب لها بسرعة؛ لأن داعي الغرائز قوي جداً عنده، فيجد هذه الاتجاهات تجعله يحقق ذاته في هذا المجال، حيث إن هذا الدافع قوي عنده، لكن دافع العقل والاتزان العاطفي والاتزان الاجتماعي غير موجود عنده، فلذلك يستجيب لأنه لم يكتمل نضجه العقلي والانفعالي والاجتماعي، وإنما نضج في هذا الجانب فقط، فبالتالي يستجيب لهذه المغريات ولهذا التزيين، وينجذب إليه لعدم نضج القوى العقلية عنده؛ كما يقول الشاعر: إنما تنجح المقالة في المرء إذا صادفت هوىً في الفؤاد فيؤثر فيه هذا الكلام ما دام يصادف هوىً في نفسه وفي تكوينه بجانب الفراغ العقائدي أو الفكري، وهذا يكون عند الكثير من الشباب، فعندهم فراغ وخواء، حيث لا عقيدة ولا انتماء ولا فهم ولا فكر، فبالتالي إذا أدخلت هذه السموم في قلبه يتشربها قلبه بسهولة، كما قال الشاعر: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا فمشكلة الفراغ هي سبب الامتلاء والتشبع بهذه القيم وهذه المفاهيم.

التحدي الثالث: ويتمثل في التقدم المذهل في وسائل الاتصال والنشر للكلمة المسموعة والمقروءة والمرئية، الذي جعل من المتعذر إقامة السدود والحواجز أمام ما نريد أن لا يصل إلى عقول أبنائنا ونفوسهم، وأصبح الأمر يعتمد أساساً على الدوافع الذاتية للفرد وقوة إرادته، فجهاز الفيديو مثلاً -وبالتالي البث المباشر- يشكل أكبر الأخطار التي تهدد أبناءنا في الدين في السنوات الأخيرة.

فالأمر وصل لمرحلة أنه يصعب جداً أن تخضع وسائل الاتصال الحديثة أو الكثير منها إلى أي نوع من الرقابة، بل ربما تسرب موضوع عبادة الشيطان إلى المراهقين من خلال شبكة الإنترنت، ومستحيل أن تخضع هذه الشبكة لرقابة؛ فبالتالي يسهل التفاعل مع هذه الأفكار الخبيثة التي يصعب جداً أن نوجد حواجز صناعية بيننا وبينها، وبالتالي يتعين أن يكون أقوى حاجز وأقوى منعة وحصن بين الشباب وبين هذه التيارات الفاسدة هو تقوية العقيدة والإيمان، والوازع الذي ينبع من ذاته هو كي يرفض رفضاً تلقائياً وذاتياً هذه المناهج الوافدة المنافية لعقيدته، فإذاً ينبغي الاعتماد على الرقابة الداخلية، بمعنى: أنك تجعل هذا الفتى هو نفسه يتشبع بالخوف من الله سبحانه وتعالى، وبالاستحياء منه عز وجل، وبالقيم الإسلامية التي تعطيه ميزاناً للأمور التي يتفاعل معها حيثما توجه.