[قصة معاوية بن أبي سفيان مع المسور بن مخرمة رضي الله عنهم]
وقال الإمام الزهري رحمه الله تعالى: حدثني عروة أن المسور بن مخرمة أخبره أنه وفد على معاوية أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه، فقضى أمير المؤمنين معاوية حاجة المسور، ثم خلا به -انفرد به- فقال: يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمة -يعني: على أمير المؤمنين معاوية وبني أمية- ما فعل طعنك على الحكام المسلمين الأئمة؟ قال: دعنا من هذا وأحسن.
أي: دعنا من هذا الموضوع ولا يجوز أن نتكلم فيه دعنا من هذا وأحسن.
قال: لا والله! لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي.
يعني: صارحني بما تعيبه علي، وقل لي مباشرة.
فقال المسور: فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينت له.
فقال معاوية رضي الله عنه: لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا -يا مسور - ما نلي من الإصلاح في أمر العامة؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب وتترك المحاسن؟ أي: كما أحصيت هذه العيوب هل تضع بجانبها في الكفة الأخرى المحاسن التي نليها من إصلاح أمر المسلمين، والجهاد في سبيل الله، وفتح البلاد، وتمصير الأمصار، ونشر الإسلام وغير ذلك من المحاسن التي يفعلها أمير المؤمنين معاوية رضي الله تعالى عنه؟ قال: فهل تعد لنا -يا مسور - ما نلي من الإصلاح في أمر العامة؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب وتترك المحاسن؟ قال: ما تُذكر إلا الذنوب.
قال معاوية: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك -يا مسور - ذنوب في خاصتك تخشى بأن تهلك إن لم تُغفر؟ قال: نعم.
قال: فما يجعلك برجاء المغفرة أحق مني؟ أي: فما الذي يجعلك أولى مني بأن ترجو مغفرة الله وعفو الله في هذه العيوب أو في هذه الذنوب؟ قال معاوية: فوالله! ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي.
أي: الإصلاح الذي يحصل على يدي بصفتي أميراً للمؤمنين أكثر مما تلي أنت باعتبارك واحداً من الرعية.
قال: ولكن -والله- لا أخير بين أمرين بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على ما سواه، وإني على دين يُقبل فيه العمل، ويُجزى فيه بالحسنات، ويُجزى فيه بالذنوب إلا أن يعفو الله عنها.
قال المسور: فخصمني.
يعني: غلبني.
قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه.
يعني: دعا له بعد هذه المناظرة.