للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأحاديث الدالة على حجية السنة]

الدليل الرابع على حجية السنة: السنة الشريفة نفسها.

فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله تعالى لم يحرم شيئاً إلا ما في القرآن، ألا وإني والله قد أمرت، ووعظت، ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم) رواه أبو داود.

وهذا رد على المكذبين بالسنة والطاعنين فيها، وقد وصفوا بالاتكاء الذي يدل على الاسترخاء والتواني، وعدم الكد والكدح والسهر في طلب العلم، فيكون أحدهم متكئاً على أريكته ويهاجم السنة وهو شبعان، بخلاف المجاهدين من المحدثين والعلماء الذين جابوا الأقطار، وسافروا إلى الأمصار، وضحوا بكل شيء في سبيل خدمة سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله) متفق عليه.

وعنه أيضاً رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) رواه ابن حبان في صحيحه.

والشرة الهمة والنشاط.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) رواه الحاكم وصححه.

ولما تردد عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في كتابة الأحاديث ليحفظها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق، وأشار بيده إلى فمه)، فلا يخرج من فم النبي عليه السلام كلام إلا وهو حق.

أيضاً حديث العرباض بن سارية: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) إلى آخر الحديث.

من ذلك أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر باتباع حديثه وحفظه وتبليغه إلى من لم يسمعه من الموجودين في عصرنا، بل وعد من يقوم على ذلك بالأجر العظيم، ولا شك أن هذا يستلزم حجية هذا الكلام، لأنه يدل على اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بما يقوله من السنن والأحكام، وحثه على حفظها وتبليغها، فما قيمة ذلك إذا لم تكن السنة حجة؟! وقال عليه الصلاة والسلام: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد؛ فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار).

وقال عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه).

هذا الحديث واضح الدلالة على حجية السنة، فهو يدعو بنضارة الوجه لمن يحفظ الحديث، ويحافظ على لفظه، ثم ينقله إلى من بعده، فيبلغه وينشره للناس، ثم علل ذلك بقوله: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم لفظة: (فقه)؛ لأن الفقه هو الفهم الدقيق الذي يعين على استنباط الأحكام من اللفظ، فلولا أن السنة دليل شرعي، وحجة شرعية لما اشترط فيمن يحمله أن يكون فقيهاً؛ لأن بعض الناس يحمل الفقه وليس بفقيه، فإذا أدى اللفظ بدقة، وبلغه إلى من هو أفقه منه مكن هذا الأفقه من أن يستنبط منه الحكم الشرعي الذي ينسب إلى الله، وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)، وروى البخاري في حديث وفد عبد القيس لما نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن أربع، وأمرهم بأربع، ثم قال لهم: (احفظوه وأخبروا من وراءكم)، لأن هذه مسائل فرعية، كي يعلموها الناس.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه أمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه، وإلا فلا).