[موقف نساء الأنصار من قتلى أحد وتفضيلهن سلامة النبي صلى الله عليه وسلم]
في طريق عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة أحد إلى المدينة خرج الناس من المدينة للاستفسار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ذويهم الذين اشتركوا معه في معركة أحد، وكان من بينهم امرأة من بني دينار قتل يوم أحد أبوها وزوجها وأخوها وابنها، فلما نعوا إليها لم تكترث كثيراً، وإنما كانت قلقة على حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنساها هذا القلق كل أحد، فكانوا يقولون لها: قتل أبوك.
فتقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويقولون لها: قتل ابنك.
فتقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويقولون: قتل أخوك.
فتقول: ما فعل رسول الله؟ ويقولون: قتل زوجك.
فتقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لها: خيراً يا أم فلان، فهو بحمد الله كما تحبين.
فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه.
فلما رأته سالماً قالت: كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله.
أي: قليلة وحقيرة في جانب سلامته صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: أن الدينارية هذه جاءت إلى مصارع القوم في المعركة، فمرت بأبيها وابنها وأخيها وزوجها وهم صرعى، وكلما مرت على واحد منهم سألت وقالت: من هذا؟ قيل لها: هذا أبوك هذا ابنك هذا زوجك هذا أخوك.
فلم تكترث، بل صارت تقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: هو أمامك.
حتى جاءته، وأخذته بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب.
أي: إذا سلمت فما أبالي بما يصيبني بعد ذلك.
رضي الله تبارك وتعالى عنها.
(وقبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت أم سعد بن معاذ سيد الأنصار رضي الله عنه تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فرسه، وسعد آخذ بلجامها، فقال سعد: يا رسول الله! أمي.
فقال: مرحباً بها، فوقف لها، فلما دنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عزاها بابنها عمرو بن معاذ؛ لأنه استشهد في غزوة أحد وله اثنتان وثلاثون سنة، فقالت: أما إذ رأيتك سالماً فقد اشتريت المصيبة.
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل من قتل بأحد وقال لـ أم سعد: يا أم سعد! أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعاً، وقد شفعوا في أهلهم جميعاً، فقالت: رضينا يا رسول الله ومن يبكي عليهم بعد هذا؟! ثم قالت: يا رسول الله! ادع لمن خلفوا منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم! أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا).