للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حكم حلق اللحية]

السؤال

عدم حلق اللحية سنة مؤكدة! ولكن صدرت فتوى بأن حلقها ليس فيه إثم؟

الجواب

هذا زمن العجائب! من قال: إن عدم حلق اللحية سنة مؤكدة؟! إعفاء اللحية سنة واجبة، لأن كلمة السنة تأتي لعدة معان، نذكر منها معنيين: فالسنة تأتي بمعنى الطريقة، سواء كانت مرضية أو غير مرضية، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون سنة بمعنى الشيء الذي أنت مخير بين فعله وتركه، فإذا فعلته أثبت، وإذا تركته لم تعاقب مثل ركعتي الفجر وسنة الظهر القبلية وسنة المغرب وصيام الخميس والإثنين؛ فهذه كلها سنن بمعنى أنها مستحبة أو مندوبة.

والمندوب هو الشيء الذي يطلب منك، لكن تؤمر به أمراً غير جازم، وتثاب إذا فعلته ولا تعاقب إذا لم تفعله؛ هذا معنى السنة المندوبة.

وهناك سنة واجبة بأن تقول مثلاً: الحج سنة المسلمين، وتقول في الزكاة: هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أي: طريقته، لكن ليس معناه أن الحج أو الصلاة على سبيل الندب والاستحباب.

فإذا قلنا: صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمقصود أنها طريقة رسول الله، أما من حيث الأحكام التكليفية الخمسة فهي واجبة وفريضة.

فكذلك إذا قلت: اللحية سنة، أي: هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون واجبة، وأما أن تكون مستحبة، وإما أن تكون أفعالاً جبلية طبيعية فطرية؛ فاللحية لا شك أنها واجبة، ولم يقل بأنها عادة إلا بعض المحدثين في هذا الزمان، والمفروض أننا نتكلم على الخلاف الذي يعتد به، وذلك عندما كان الأئمة متوافرين يملئون الأقطار، فهؤلاء إذا اختلفوا فهناك قيمة لاختلافهم، أما نحن الآن في المسجد مائة شخص أو أكثر، فإذا اختلفنا ما قيمة اختلافنا؟! يقولون هذا غير جائز عندنا فمن أنتم حتى يكون لكم عند من نحن حتى نختلف؟! من هم شيوخ هذا الزمان حتى يخالفوا الأئمة الأربعة أو الصحابة والتابعين وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام؟ إذا كان الأئمة الأربعة قد حذرونا من أن نتبع أقوالهم إذا خالفت أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بمن يأتي بعدهم؟ المقصود أن حلق اللحية حرام، وأن إعفاء اللحية واجب وفريضة، فيأثم من يحلقها بدون عذر كالتداوي مثلاً، فالأدلة على هذا الحكم واضحة، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)، وقد ورد الأمر بإعفاء اللحية في خمس صور: (أعفوا اللحى) (وفروا اللحى) (أرخوا اللحى) (أرجوا اللحى) (أوفوا اللحى).

فهذه الروايات معناها كلها أن تترك على حالتها، فمن من الصحابة حلق لحيته؟ نريد واحداً فقط من الصحابة أو من الأئمة حلق لحيته! الأنبياء أنفسهم كانوا يعفون لحاهم، والدليل من القرآن قول الله سبحانه وتعالى في حق هارون عليه السلام: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:٩٤].

إذاً: كانت له لحية بحيث يمسكها موسى عليه السلام، فكان من سنة الأنبياء أنهم يعفون اللحى، ورسولنا عليه الصلاة والسلام أمرنا بأن نتبع هؤلاء الأنبياء، ومنهم موسى وهارون، فبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى طائفة عظيمة من الأنبياء ومنهم موسى وهارون في سورة الأنعام قال في آخر الآية: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٩٠] فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتدي بالأنبياء، وهؤلاء الأنبياء -كما جاء في قصة موسى وهارون- كان لهم لحى، ثم أمرنا نحن بالاقتداء بنبينا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:٢١].

أيضاً: حلق اللحية تشبه بالنساء؛ لأن الله ميز الرجل عن المرأة بعدة خصال: منها أن الرجل ينبت في لحيته شعر فلا ينبغي أن يزيله؛ لأن الشرع لم يأذن له في ذلك، لكن أذن له في إزالة غيره، فكأن الإنسان يتهم الله سبحانه وتعالى في حكمته حيث ميز الرجل عن المرأة باللحية، كأنه يصيح من اللحية ويقول: الله خلق هذه اللحية في وجهي عبثاً وبدون فائدة؛ فلذلك فهو يحلقها.

الله عز وجل خلقها لأنها من كمال الرجولة وكمال الفحولة وبها يتميز الرجال عن النساء.

أيضاً فيها مخالفة للمشركين: (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين).

كذلك حلقها فيه تغيير لخلق الله، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الذي يأمر بتغيير خلق الله هو إبليس، حكى الله عن إبليس أنه قال: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء:١١٩]، ولا يجوز تغيير خلق الله إلا بإذن من الشرع، مثل قص الأظافر، فقصها من خصال الفطرة التي أمرنا بها، فلذلك نغير خلق الله بتصريح من الله سبحانه وتعالى، وكذلك في الاستحداد أو نتف الإبط، لكن أين التصريح بحلق اللحى؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عشر من الفطرة: -وذكر منها- إعفاء اللحى)، وقال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:١٢٤] ومن هذه الكلمات إعفاء اللحى.

أيضاً: اللحية نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، فهي تعطي الإنسان الوقار والهيبة، وتعينه على حفظ دينه في هذا المجتمع الفاسد.

وكان الصحابة يقولون: (كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الظهر، قيل: كيف كنتم تعرفون قراءته؟ قالوا: باضطراب لحيته) يرونه من خلفه وهو يقرأ؛ لأن لحيته تتحرك وهو يقرأ القرآن في نفسه صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة ما عرفوا حلق اللحى، والمسلمون ما عرفوا حلق اللحى إلا بعدما احتكوا بالأوروبيين، وأرادوا أن يتشبهوا بالإنجليز.

ما عرفنا حلق اللحى إلا لما أردنا تقليد الكفار تقليداً أعمى، فهي ليست من سنن المسلمين، فيحرم حلق اللحى باتفاق المذاهب الأربعة، ومن ادعى خلاف ذلك فليأت بالدليل