[بداية التسمي باسم أهل السنة والجماعة]
الحمد لله الذي جعل اتباع رسوله على محبته دليلاً، وأوضح طرق الهداية لمن شاء أن يتخذ إليه سبيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد مخلص لم يتخذ من دونه وكيلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اختص أمته بأنه لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير الناس هدياً وأقومهم قيلاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
سئل الإمام مالك عن أهل السنة فقال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي ولا قدري ولا رافضي.
يقول الدكتور مصطفى حلمي حفظه الله تعالى: إن أهل السنة والجماعة هم الامتداد الطبيعي للمسلمين الأوائل الذين تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ولا نستطيع أن نحدد لهم بداية نقف عندها كما نفعل مع باقي الفرق، والسؤال عن نشأة أهل السنة والجماعة سؤال ليس له موضع كما هو الحال إذا تساءلنا عن منشأ الفرق الأخرى، ولذلك الإمام اللالكائي رحمه الله تعالى افتتح كتابه القيم: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) بذكر أئمة السنة الذين ترسموا بالإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بذكر أبي بكر، ثم الخلفاء الثلاثة بعد أبي بكر، وبقية أهل العلم والدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى زمنه رحمه الله، وقد ذكر كثيراً من أئمة أهل السنة في معظم الأمصار الإسلامية.
وقال ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم، وبداية التميز بين أهل السنة وغيرهم هي الفتنة التي وقعت في آخر عهد عثمان رضي الله تعالى عنه.
إذاً: خلاصة الكلام في هذه النقطة: السؤال عن نشأة مذهب أهل السنة كما يسأل عن نشأة سائر الفرق لا مكان له ولا محل له؛ لأن مذهبهم هو مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، لكن السؤال ينبغي أن يوجه إلى بداية التسمي بهذا الاسم؛ لا نشأة المسمى وهو المذهب وأهله، فمن الخطأ أن يخلط بين الأمرين، فبداية بروز الاسم غير بداية هذا المنهج.
فالأصل في التسمي بأهل السنة هو ما ورد من النصوص التي تأمرنا باتباع السنة وبلزوم الجماعة، فالتسمية مأثورة في السنة، وواردة في كلام السلف، أما بداية التسمي بهذا الاسم فهذا يعني أمراً آخر؛ لأن بعض الناس يخلط بين بداية التسمية وبين نشأة المسمى وهو المذهب وأهله، حتى رأينا من يتحدث عن السنة كأنها فرقة أو طائفة طارئة في الإسلام كسائر الفرق الأخرى التي انشقت عنها.
فمثلاً: الدكتور مصطفى الشكعا يزعم أن تسمية جمهرة المسلمين بأهل السنة تسمية متأخرة يرجع تاريخها إلى حوالى القرن السابع الهجري، أي: بعد الإمام أحمد بأربعة قرون؛ وهذا كلام لا يثبت أمام التحقيق العلمي كما بينا؛ وإنما كلما هبت أعاصير البدع تجلى وشاع التميز لأهل السنة بسبب جهود علمائهم في المنافحة عن هذه السنة، وهناك رسالة بعث بها إلى المأمون نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي يكتب تقريراً للمأمون يتكلم عن الإمام أحمد ومن معه، فيقول: ونسبوا أنفسهم إلى السنة أهل الحق والجماعة، فواضح أن الاصطلاح كان بارزاً جداً في تلك المرحلة.
والعلاقة بين كلمة (أهل السنة) وبين كلمة (الجماعة) كالعلاقة بين الإسلام والإيمان، يعني: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا؛ إذا ورد واحد منهما في النص فإنه يشمل المعنيين، وإذا اجتمعا في نص واحد افترقا، فيقال: أهل السنة والجماعة، فمعنى السنة: الاعتقاد الحق؛ والجماعة: أهل الاعتقاد الحق، فإذا قلت: الجماعة فقط، ففي هذه الحالة فإنها تجمع الاعتقاد الحق وأصحابه، وإذا قلت: السنة فقط، فإنها تجمع الاعتقاد الحق وأصحابه، فإذا اجتمعا معاً افترقا في المعنى، فدل كل لفظ على معناه الخاص به.