[جيل التلفاز والمثل الأعلى]
من أخطر الأشياء أن التلفزيون يؤثر في الأولاد عندما يأخذون منه المثل الأعلى في حياتهم، حيث يقلب القيم في نظرهم، فالشباب عامة ربما إذا سألته هل تتقن سورة الفاتحة أم لا لم يدر ما الجواب، وربما نجد بعضهم يجيب علينا، لكن لو سألته: ما هي الأسئلة التي ستتوجه إليك أول ما تنزل في قبرك؟ وإنك سوف تسأل عن ثلاثة أسئلة هل تعرف ما هي؟ كيف ستجيب عليها؟ وحين يسألك الملكان: من ربك وما دينك وماذا تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم صلى الله عليه وآله وسلم كيف ستجيب؟ فإنه لا يعرف، لكنه يعرف أسماء الممثلين والممثلات، والألوان المفضلة لهم، والأكلة المفضلة لهم، وكم مرة تزوج، والراقصين والراقصات، وأسماءهم، وربما عناوينهم، ويعرف عنهم ما لا يعرفه عن أقربائه.
وهذا يضطرنا -للأسف الشديد- إلى حكاية أشياء نحب أن ننزه مجلس الذكر عن حكايتها، لكن ربما نلجأ أحياناً لضرب الأمثلة؛ لأن هذا واقع نعيشه، والخطر قادم في كل بيت بهذا التغيير.
هذا نموذج يحكيه الشيخ مروان كجك، وهي مشكلة زوج يعاني من زوجته، وهي امرأة متعلمة وتعمل، وهي مغرمة بمشاهدة الأفلام التي تروي تاريخ حياة الراقصات، أو الأفلام التي تكون بطلتها (معلمة في قهوة بلدي) هذه المرأة تشجع طفلتها وهي في العاشرة من عمرها على المشاهدة أيضاً، والنتيجة أن الطفلة أصبحت تحاول إجادة الرقص البلدي أمام المرآة، إنه اغتيال البراءة والفطرة، وفي أوقات الفراغ فإن هذه الطفلة لا تلعب، وإنما تأتي بكوب وخرطوم لتجعل منه (شيشة)، وتطلب من زميلاتها أن ينادينها بصوت أجش: (يا معلمة!).
وقال صاحب الرسالة أيضاً: إن زوجته تشعر بالارتياح من أعمال الطفلة، وتقول: إنها موهوبة في التمثيل فهذا حصاد هذه التربية التلفزيونية الخبيثة، ماذا تنتظر؟ البنت تتعلم من مثل هذه الممثلة كيف تسلك هذه المسالك، لذلك لا تعجب إذا كانوا يسمون الفاسق الفاجر المجرم (البطل)، بدل أن يقال: الفاسق الصادّ عن سبيل الله عدو الله وعدو رسول الله يقال: (البطل).
المطربة أو المغنية معبودة الجماهير، وسبحان المعبود! يعبدونها عبادة، ولعلك تذكر حديث جريج العابد، فقد كان جريج يتعبد في صومعة، فأتته أمه وهو يصلي فنادته.
فقال: أي رب! أمي وصلاتي؟ يعني: أيهما أقدم: هل أجيب أمي أم أكمل صلاتي؟ فنادته الثانية.
فقال: أي رب! أمي وصلاتي.
فأقبل على صلاته.
ونادته الثالثة فقال: أي رب! أمي وصلاتي.
وكان لابد له من أن يقطع الصلاة ويجيب أمه براً بها.
فدعت عليه أمه أن يعاقب عقوبة شديدة، وما كانت هذه العقوبة؟ لقد دعت عليه أن لا يموت حتى ينظر في وجوه الزانيات، دعت عليه بهذه الدعوة، فإذاً هذه عقوبة؛ لأن النظر إلى وجوه الفساق والظالمين يفسد القلوب ويطبع فيها السموم ويمرض القلوب، بعكس النظر إلى الصالحين الذين إذا رأيتهم ذكرت الله تبارك وتعالى.
فانظر كيف أن المسلمين صاروا طواعية لا ينظرون إلى هذا عن عقوبة، لكنهم يستحسنون النظر إلى وجوه المجرمات الفاسقات، ويتقدمون بأنفسهم إلى هذا الجهاز الخبيث ويستجلبونه حتى ينظر أبناؤهم وشبابهم إلى هؤلاء النساء المجرمات اللاتي يسمونهن (البطلات) معبودات الجماهير.
يقول الكاتب محمد عبد الله السمان مشيراً إلى حلقة تلفزيونية استضيف فيها بعض الطلبة من مدرسة معروفة، يقول: كان من المتوقع أن تكون الحلقة إلى آخر دقيقة فيها بالطلبة المتفوقين، وتكون حلقة من الحلقات الجادة التي يتلقى منها سائر الطلبة دروساً في التفوق، ولكن مقدم البرنامج سأل الطلبة واحداً واحداً عن مثله الأعلى في الحياة؟ وكانت الإجابات مذهلة، فالمثل الأعلى لدى الطلبة المتفوقين هم على الترتيب -ولست أدري أهو ترتيب تصاعدي أم تنازلي-: عبد الحليم حافظ، بليغ حمدي، نزار قباني، محمد عبد الوهاب، أنيس منصور.
وقلت تعقيباً على هذه الإجابات: لم أكن أنتظر من هؤلاء الطلبة المتفوقين أن يقولوا: إن مثلنا الأعلى أبو بكر أو عمر أو علي أو خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهم، بل كنت أتوقع أن يقول واحدٌ منهم: إن مثلي الأعلى هو أبي.
إلا أنه ما وجد في أبيه مثله الأعلى، وإلا فلو أحسن أبوه تربيته لما عمد إلى هذه الزبالة كي يتخذهم قدوة ومثلاً أعلى في الحياة.