[حصره لاحتمالات النجاة في مذاهب الفلاسفة والمتكلمين والباطنية والصوفية]
المأخذ الثالث: أن الإمام أبا حامد حصر احتمالات وجود طريق النجاة في دوائر الفلاسفة والمتكلمين والباطنية والمتصوفة: أراد أن يبحث عن الحق فقال: إن الحق لا يخرج عن هذه الطوائف الأربع: الفلاسفة والمتكلمين والباطنية والصوفية، وهذا بعد الدراسة المستفيضة التي أنفق فيها كماً كبيراً من عمره رحمه الله، فخلص بعد دراسة هذه الاتجاهات والتنقل بينها إلى أن المنقذ من الضلال هو التصوف، وقد أخطأ الإمام رحمه الله تعالى خطأً فادحاً حين أغفل منهج أهل السنة والجماعة، منهج أصحاب الحديث وأهل العلم والفقه والأثر، الذين هم بحق الفرقة الناجية والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، وقد ذكر العلماء أنهم أصحاب الحديث أو أهل العلم والفقه والأثر.
فإذا قلنا: نوافق الإمام الغزالي رحمه الله تعالى فيما أخذه على الباطنية والفلاسفة والمتكلمين وإذا كان هو قد أصاب في الأمور التي أخذها عليهم، فلا يلزم من هذا أن يكون الإمام أبو حامد مصيباً في اعتباره التصوف طريق النجاة، بل إن التصوف ذاته في حاجة إلى من يحاكمه، ويزنه بميزان الكتاب والسنة اللذين هما بحق حجة الإسلام، ليكشف مظاهر مخالفته لدين الله سبحانه وتعالى.
فالتصوف بمعناه المعروف الآن يخالف دين الله عز وجل في مصادر التلقي، فهناك فرق بين مصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة أهل الاستقامة، والصوفية المبتدعين، ونحن نخالفهم في تقسيم الدين إلى شريعة وحقيقة، ونخالفهم في تبني معظم المفاهيم الكنسية الرهبانية، ومصادمة بعض مقاصد الشريعة كالترغيب في العزوبة، والترهيب من النكاح، بجانب انحراف الصوفية في تصوراتهم؛ ونخالفهم في الإلهيات والنبوة والولاية، واعتقادهم اختصاص الخواص بأسرار دينية لا يطلع عليها غيرهم, وتقديم المكاشفات والإلهامات والمنامات المزعومة على الأدلة المعصومة، وشيوع استدلالهم بالأحاديث والآثار الواهية والموضوعة إلى آخر مظاهر انحرافهم عن الجادة، فضلاً عن بدعهم الشنيعة التي أفاض في ذكرها الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تلبيس إبليس، أو: نقد العلم والعلماء -الكتاب له اسمان- وغيره من الأئمة الأعلام.
ومن ثم يمكننا بعد الدراسة المستفيضة لأحوال الصوفية ومخالفتهم للكتاب والسنة أن نخلص إلى القول بأن الصوفية فئة غارقة في البدع بأنواعها: علمية وعملية، حقيقية وإضافية، عبادية وعادية، فعلية وتركية، كلية وجزئية، وأن الصوفية غير مؤهلة لحمل أمانة هذا الدين إلى العالمين؛ لأنها لا تؤتمن عليه وقد انحرفت عن حقائقه هذا الانحراف الخطير.
هذا فيما يتعلق بالمؤلف وهو الإمام أبو حامد الغزالي باختصار.