[سبب حرص الكفار على تقليل نسل المسلمين في مصر خاصة]
آخر ما أشير إليه هو سؤال مهم جداً، ويُلحّ علينا دائماً: ما هو السرّ في تفوق خط مصر من هذه الدعوة إلى تقليل النسل الإسلامي؟! هل هو فقط العامل الاقتصادي كما يظهرون؟! لا؛ لأن مصر في الحقيقة تملك كمّاً هائلاً من الثروات، وهذا الكلام لا أقوله بصفة متطفل على رجال الاقتصاد والخبرة، بل هذا كلام يقوله أهل الخبرة حتى في مجالات الاقتصاد، فقد وهب الله تبارك وتعالى مصر نهراً مبارك الغدوات والروحات، حتى قال المؤرخ اليوناني القديم هريدوس: مصر هبة النيل، ونحن نصحح هذه العبارة ونقول: النيل هبة الله، فنحن نعبد الواهب، ولا نعبد الموهوب، وهناك إشارة في القرآن إلى هذه النعمة العظيمة على أهل مصر بهذا النهر العظيم الذي هو من الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح في البخاري، يقول الله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ} [السجدة:٢٧]، قال كثير من المفسرين: المقصود بهذا الماء النيل، والمفسرون الذين قالوا: ليس مقصود به خصوص النيل، قالوا: إن أعظم مثال تتجلى فيه هذه النعمة هو النيل في مصر.
لو أنك أخذت صورة لمصر مأخوذة من القمر الصناعي، فستجد أن مصر صحراء، وتجد شريطاً أخضر رفيعاً جداً في وسطها، باستثناء منطقة الدلتا، فهذه هي مصر كلها، أما ما عدا ذلك فهي صحراء واسعة، وقد كانت هذه الصحراء منذ أكثر من ألفي سنة كلها مخزاناً للحبوب بما يكفي الأمبراطورية الرومانية.
قال علي بن أبي طالب لـ محمد بن أبي بكر حينما وجهه إلى مصر: إني وجهتك إلى فردوس الدنيا! وقال عمرو بن العاص لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين! ائذن لي أن أسير إلى مصر.
وقال: إنك إن ضممتها إليك كانت كوة للمسلمين، وعوناً لهم، وهي أكثر الأرض أموالاً.
ولعل العيش في ذكريات الماضي يخفف علينا وطأة الحاضر، فما سجله التاريخ: أن مصر كانت على جانبي النيل مُدُناً متقاربة كأنها مدينة واحدة، والبساتين خلف المدن المتصلة كأنها بستان واحد، والمزارع من خلف البساتين متصلة، حتى قيل: إن الكتاب كان يصل من الإسكندرية إلى أسوان في يوم واحد، يتناوله عمال البساتين من واحد إلى واحد! ويحدثنا التاريخ أيضاً: أن المرأة على جانبي النيل كانت تخرج حاسرة لا تحتاج إلى خمار لكثرة الأشجار! وأنها كانت تضع على رأسها المكتل فيمتلئ بالثمر من كثرة ما يتساقط من الشجر! والقرآن الكريم قد سمّى مصر مصراً ومدينة كما قال عز وجل: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة:٦١]، قال ابن جرير: المقصود بها مصر فرعون.
وهي التي يسمونها: (إيجبت)، وإيجبت مأخوذة من القبط، فإيجبت تعني: القبط، وهذه تسمية غير صحيحة؛ لأن المقصود بها: الدولة القبطية، وحتى الآن تسمى مصر في القواميس الغربية بـ: بلاد الأقباط، أو إيجبت، والأصل تسميتها باسمها: مصر.
قال تعالى: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف:٩٩]، وقال عز وجل: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص:١٥]، والمقصود بالمدينة: مصر، وقال أيضاً: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص:٢٠]، وحين ذكر الشام قال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف:١٠٠]، فكانت مصر هي مصدر الميرة، وملجأ الجائعين عند القحط، لا لأهلها فقط، بل لأهلها ولمن جاورها كالشام وغيرها، والرجوع إلى قصة يوسف عليه السلام يوضح لنا هذا تماماً، يقول تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [يوسف:٥٩]، وقال: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} [يوسف:٦٣] يعني: إلى مصر.
ومصر حتى عهد قريب كانت في وضع اقتصادي مزدهر جداً، إلى أن أتى الزعيم الأوحد المهزوم دائماً عبد الناصر وبدد ثروة البلاد، مصر تسلمتها الثورة وهي مدينة لبريطانيا بما يعادل ميزانية بريطانيا لمدة سنتين! فالذي حصل أن عبد الناصر بدد ثروة مصر، وبدد رصيدها من الذهب في صندوق النقد الدولي، وبدأ في عهد الديون واستجداء المعونات، وضحّت مصر بصفوة شبابها وثروتها في حروب خاسرة في الكونغو، وفي حرب المسلمين فيما بينهم في اليمن، وفي سيناء في الحروب مع اليهود، وحصل تعطيل قناة السويس، واستيلاء اليهود على سيناء، وغير ذلك.
الشاهد من هذه الأحوال أنه بسبب هؤلاء الظالمين وصلنا إلى ما وصلنا إليه، حيث أتقن الإنجليز السُّمر أداء الدور الذي اجتهد فيه الإنجليز الحمر، ولكن الله لهم جميعاً بالمرصاد.
فالإنسان هو أهم عوامل الإنتاج في الأرض، فهم يحاولون دوماً أن يظهروا لنا أن الإنسان مجرد عنصر استهلاكي ولا يعتبر إنتاجياً، فكل إنسان يولد على الأرض لن يكون بطناً أو فماً فقط! ولكنه سيكون مزوداً بيدين ورجلين وعقل، فإذا كان هناك تخطيط وإخلاص فلن توجد مشكلة، وفي الحقيقة أن مشكلتنا في مصر بمنتهى الصراحة هي أننا لسنا حتى وطنيين، ولن نقول: إسلاميين مخلصين لدينهم ولإمة المسلمين، إننا لا نكاد نقف على شخص فقط يكون صادقاً فيما يدعيه من الوطنية، وإلا لأخلصوا لهذا البلد، ولما كان حالها كهذا الحال.
فمن الأفكار المشوشة أن نُبرز الجيل الجديد أو النسل على أنه استهلاك فقط يأكل ويلتهم، ولا ينتج على الإطلاق، وهذا خلاف الواقع، وبالذات إذا تخيلنا فترة الحضانة الاقتصادية مثلاً في الأرياف، فالطفل يعتبر ثروة مهمة جداً لأبيه في الريف، حتى بعد انتشار التعليم، وما زالت فترة الحضانة الاقتصادية لا تتجاوز عشر سنوات، ثم ينتج ويعاون أباه، ويكون العمود الأساس في حماية الزراعة ورعايتها، ومن الذي يقوم بمحاربة دودة القز ونحو هذه الأشياء سوى هؤلاء الأبناء الصغار.
نريد أن نبحث عن جواب سؤال مهم جداً: في حرب ١٩٦٧م -حرب النكسة الشهيرة- حينما هزمت إسرائيلُ الجيشَ المصري تلك الهزيمة المنكرة بفضل الخيانات، وكادت أن تقضي عليه نهائياً، واحتلت أرض سيناء كلها، ووقف جنود إسرائيل على الشط الشرقي للقناة، بينما كان الطريق إلى القاهرة مفتوحاً براً وجواً وبحراً، وصرّح بذلك جمال عبد الناصر حيث قال: لم يكن بين السويس والقاهرة عسكري واحد، هذا باعتراف رئيس الجمهورية بطل الهزائم! فهو باعترافه يقول: لم يكن هناك أي عائق أمام إسرائيل في أنها تعبر القناة وتتجه إلى القاهرة وتحتل العاصمة!! والقاهرة هي أكبر عاصمة في المنطقة، فما هو السبب الذي منع إسرائيل من الوصول إليها؟! هل إسرائيل عندها ورع وخوف من الله وشفقة على الشعب المصري؟!! أليس من أهدافهم غزو مصر وبسط دولتهم من النيل إلى الفرات؟! فلماذا لم تفكر إسرائيل بأن تقفز إلى الشط الغربي للقناة وتتجه إلى مصر حيث لم يوجد عسكري واحد يعيقهم باعتراف عبد الناصر نفسه؟!
الجواب
بسبب ما تتمتع به مصر من الكثافة السكانية، بالرغم أن الشعب غير مسلح، ومع كل هذا فقد وقفت إسرائيل عند القناة ولم تتخطَّها! هل كان قادة إسرائيل لا يعرفون الوضع العسكري السيئ في مصر؟! كانوا يعلمون به تماماً، لكن الذي منعهم من دخول القاهرة وأرض الدلتا هي القوة البشرية في هذا الشعب المسلم، الذي لو دخل اليهود في وسط أرضه المعمورة والمأهولة بالسكان؛ لذابوا في وسط هذه الكثافة السكانية الهائلة.
أيضاً بين وقت وآخر نسمع من كثير من المسئولين الكلام على تحولات المصريين العاملين في الخارج، والاهتمام الشديد بهم، أليست هذه الأيدي العاملة في الخارج هي من النسل؟! أليست مصدراً من أهم مصادر جلب العملة الصعبة التي تحتاج إليها الأمة؟! فلو تقلصت هذه القوة العددية فلا شك أنه سوف يتقلص أيضاً مصدر عظيم جداً من الرزق والدخل.
فما يتشدق به البعض من وجود أزمات اقتصادية في مصر -كما يقول كثير من الخبراء- هو كلام في الحقيقة مختلق وغير صحيح، ونحن نضطر إلى أن نستشهد برجل من رجال الاقتصاد تربع على عرش رئاسة الوزراء في مصر، وهو الدكتور علي لطفي، وقد كان رئيس مجلس الشورى، وأيضاً كان قبل رئاسته لمجلس الشورى رئيس مجلس الوزراء.
ففي جريدة أخبار اليوم في القاهرة بتاريخ ١٤/ ٤/١٩٨٩م في الصفحة السادسة يقول الدكتور علي لطفي في ندوة الشباب: لا أزمة اقتصادية في مصر.
وأكّد أن مصر لا تواجه أزمة اقتصادية، بل تواجه بعض المشاكل التي سببتها الحروب العديدة التي خاضتها.
وحتى لو فرضنا وجود أزمة، فإن النزول إلى تحقيق أهداف أعداء الإسلام وأعداء الأمة هو نوع من العجز عن مواجهة المشاكل، والمشكلة في الحقيقة هي مسألة سوء توزيع للسكان، والسلوك الغير مستقيم لكثير من أصحاب المناصب، من الخيانات والاختلاسات، وإغفال وإهمال كثير من مصادر الخير الموجودة في مصر، ونحو هذه الأسباب التي تنتج عنها الأزمة.
وفي جريدة الأخبار أيضاً صفحة ٣ بتاريخ ٢٥/ ٤/١٩٨٩م كتب مقال بعنوان: (البحر الفارغ سلة الغذاء المنفية)، وهذا العنوان يُكّني به صاحبه عن اكتشاف فرع قديم للنيل يمتد من الجيزة إلى الإسكندرية، وهذا أحدث اكتشاف زراعي، حيث يضم (٢) مليون فدّان صالح لزراعة القمح والذرة والبرسيم، والتربة من الطين المختلط بالرمال، من خلال عوامل التعرية التي تمت لآلاف السنين.
فالمهم أنهم اكتشفوا هذا الفرع من النيل بين الجيزة والإسكندرية، وتوجد بقايا الحيوانات والأسماك وبعض الحفريات التي تثبت أن ذلك المكان كان جنة خضراء.
وهناك مقال طويل يقول: إن هذه المساحة إذا زرعت بالإضافة إلى المساحات المزروعة الآن قمحاً لغطّت جميع استهلاكنا.
وأيضاً: لعلكم سمعتم عن مشروع (رابح)، فقد جاء في جريدة الأخبار بتاريخ ٣١/ ٤/١٩٨٩م تحت عنوان: (رجل من مصر يقضي على الجوع في العالم)، الدكتور رضا عزام عالم مصري، وأستاذ الكيمياء الإشع