الدليل الثالث: عموم الأحاديث النبوية التي نصت على نهي الإنسان أن يبيع ما اشتراه ما لم يقبضه، فإذا اشتريت شيئاً ولم تقبضه فلا يجوز لك أن تبيعه حتى تحوزه إلى رحلك.
ففي الحديث:(نهى أن تباع السلعة حيث تبتاع حتى يأويها التجار إلى رحالهم) وقد صحت الأحاديث في هذا، ومنها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) أي: حتى يكتاله، رواه الترمذي.
والذي عليه المحققون: أنه لا يجوز بيع شيء من المبيعات قبل قبضها، سواء الطعام أو غيره، وذكر الطعام هنا خرج مخرج الغالب، أي: أن الغالب بيع الطعام.
وقد حرر ابن القيم رحمه الله تعالى الخلاف في علة المنع من بيع ما لم يقبض فقال: فالمأخذ الصحيح في المسألة: أن ما هو معلل بعدم تمام الاستيلاء يجب عنده قدرته على التسليم، وعدم انقطاع علاقة بيعه عنه؛ فإنه يطمع في الفسخ والامتناع عن الإقراض إذا رأى المشتري قد ربح فيه.
الشاهد من هذا: أن النصوص إذا كانت صريحة وصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع ما لم يقبض، وأنه على عمومه، وأن العلة هي عدم تمام الاستيلاء، وعدم الاستقرار في ملكية المشتري؛ فكيف يجوز للمصرف أن يبيع ما لم يملك أصلاً؟ وهذا من باب قياس الأولى وهو قياس جلي، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما لم يقبض، وأنت ذهبت لتشتري السلعة من الرجل، واتفقتما على البيع، ولكن لم يسلمك السلعة، فلا يجوز لك في هذه الحالة بيعها مع أنك اشتريتها ودفعت الثمن، لكنك لم تقبضها، ففي هذه الحالة لو جاء من يشتريها منك قبل أن تستلمها يحرم عليك هذا، فإذا كان البيع في هذه الصورة لا يحل، فكيف يحل والبنك أصلاً لا يملك السلعة، ويأخذ كل الضمانات قبل أن يشتريها؟! فملك البنك تقديري لا حقيقي، وقبضه له تقديري لا حقيقي، فالمنع من هذا أولى.