يمكن أن نخرج مما تقدم بالنتائج التالية: أولاً: أن هذه النظرية على الجملة قد تبلورت إثر صراع عنيف مع السلطة الدينية التي كانت تحيل الأمر في قضية السيادة إلى جهة مقدسة تستحل باسمها ومن خلال الانتساب إليها كل صنوف القهر والإفساد والطغيان في الأرض، فجاءت ردة الفعل في هذه النظرية مساوية للاتجاه الأول في القوة، ومضادة له في الاتجاه، جاءت لتعلن خلع الربقة والتمرد على كل ما هو مقدس، وتأليه إرادة الإنسان، واعتبارها معيار الحقيقة المطلقة، فجاء تمرد مطلق، يعني: رد فعل عكسي تماماً لطغيان الكنيسة والباباوات؛ لأننا لو درسنا تاريخ الباباوات والكنيسة في القرون الوسطى المظلمة، وطبعاً كل قرون أوروبا مظلمة، لكنهم يطلقون عليها القرون الوسطى المظلمة، ولن ندرسها من أي مصادر إسلامية، بل من كتب الغربيين أنفسهم، فهم شهود من أهلها يكشفون الطغيان والظلم والقهر والاستبداد والإذلال الذي مارسته الكنيسة في ذلك الوقت.
فحصل رد فعل في العبارة التي دائماً نكررها:(اشنقوا آخر قسيس بأمعاء آخر ملك) الصراع الذي خاضه رجال الكنيسة في هذه القضية لم يخوضوه باسم الوحي المعصوم، ولم يلتزموا فيه بأبسط مبادئ العدل الفطري، بل أطلقوا لأهوائهم وجبروتهم العنان، وتردوا خلاله إلى أسوأ دركات الفساد والإجرام، ثم نسبوا كل ذلك إلى الوحي، وإلى السماء، والذي درس رواية:(أحدب نوتردام) بأقلام غربية ولم يكتبها المسلمون، يجد هذا القدر من التسلط والقهر والإذلال الذي كانت تمارسه الكنيسة وعدائها الشديد للعلم وللكتب ونحو ذلك.