للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القدرات الهائلة التي يقدر الله الدجال عليها امتحاناً للعباد

يعطى الدجال الإمكانات الهائلة -التي يقدره الله عز وجل عليها- ابتلاء للعباد وامتحاناً لهم واختباراً، فإنه يعطى أموراً مذهلة تفتن الناس فتنة عظيمة، والخبر ليس كالعيان، قال الله تبارك وتعالى عن أصحاب الكهف: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:١٨] مع أن الله عز وجل وصف حالهم في الكهف وهم نيام فما ولى فراراً، ثم قال له: لو اطلعت عليهم ورأيتهم بعينيك لوليت منهم فراراً، فدل على أن الخبر ليس كالمعاينة، وموسى عليه السلام أخبره الله بأن قومه اتخذوا العجل من بعده فغضب، لكنه لما عاد إليهم ورآهم يعبدون العجل غضب غضباً شديداً وألقى الألواح التي كتبها الله له بيده كما قال الله: {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف:١٥٠] فكان انفعاله لما رأى قومه أكبر وأعظم من انفعاله لما سمع خبرهم، فليس المخبر كالمعاين، وكذلك هذه الفتن إذا سمعناها نستفظعها جداً، فمن يراها بعينه سيكون انفعاله وتأثره بها كبيراً إلا من حفظه الله تبارك وتعالى.

الدجال يكون له قدرة على التنقل في أرجاء الأرض بسرعة هائلة، ففي حديث النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن إسراع الدجال في الأرض فقال: (كالغيث استدبرته الريح).

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيجول في أقطار الأرض، ولا يترك بلداً إلا دخله سوى مكة والمدينة، وأنا أعرف رجلاً ألمانيا أسلم منذ مدة في ألمانيا الغربية، وهو الآن يعيش في مكة ومعه زوجته وهي أيضاً ألمانية، وذلك بسبب هذا الحديث؛ لأن الدجال لا يدخل مكة والمدينة، فلذلك هو يعيش في مكة ولا يخرج منها عملاً بهذا الحديث، وفراراً من هذه الفتنة التي يتوقعها.

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة)، وفي بعض الأحاديث: (وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقب من أنقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة) والصلت هو السيف الثقيل اللامع، فالملائكة تحرس مكة والمدينة على كل طرقاتها وأنقابها.

وفي مسند الإمام أحمد: (أن الدجال حينما يعجز عن دخول المدينة يقف على الجبال خارج المدينة ويقول لأتباعه: انظروا إلى قصر أحمد) وهذا إشارة إلى الفخامة والزخارف التي أضيفت إلى المسجد النبوي، والمسجد النبوي في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان مصنوعاً من الجريد والنخيل وسعف النخيل، أما كونه كالقصر، فهذا مما لا يرضاه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد نهى أن تزخرف المساجد؛ لأن الزخرفة تشوش قلوب المصلين.

ومما يفتن الناس بـ الدجال أن الدجال يكون معه ما يشبه نهراً من ماء ونهراً من نار، والحقيقة أنه ليس كما يبدو للناس، فإن الذي يرونه ناراً هو في الحقيقة ماء بارد، والذي يرونه ماء بارداً هو في حقيقته نار، ففي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار).

وفي حديث آخر: (إن معه ماء وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار، فلا تهلكوا) يعني: لا تفتنوا بهذا الظاهر.

وفي حديث حذيفة في مسلم: (لأنا أعلم بما مع الدجال منه) يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بما مع الدجال من معرفته هو بنفسه، قال: (لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان، أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت الذي يراه ناراً، وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد).

وفي رواية أخرى: (إن الدجال يخرج فإن معه ناراً وماء، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً فإنه ماء عذب طيب)، فالناس لا يدركون ما مع الدجال في الحقيقة، فيخدعون به إلا من عصمه الله، فما يرونه لا يمثل الحقيقة بل يخالفها، ولذلك جاء في بعض الأحاديث: (وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، التي يقول: إنها الجنة هي النار).