للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فشل الأعداء في محاولة إضعاف معنويات المسلمين]

إن كل ما حصل من محاولة ترويض المسلمين، وتقليم أظافرهم قد تلاشى، وظهر أنه ليس له أي أثر، وأظهر أن الأمة ما زالت حية، وما زالت تنبض، وما زالت تحس، رغم كل ما دبر تجاه عقيدتها وإسلامها، فالمسلمون لن ييأسوا، فقد حرر المسلمون القدس بعد مائة سنة تقريباً من احتلال الصليبيين له، والسنوات هي لحظات في عمر الدعوات.

والدرس الذي نستخلصه من الأحداث التي نعيشها هو: أن تكلفة الكرامة أرخص بكثير جداً من تكلفة الذل؛ بل إن الذي يذل مرة لا يحصد شيئاً بعد ذلك، فهي مكاسب وقتية سرعان ما تزول، لكن تكلفة الكرامة والعزة والإباء أرخص بكثير، وما الأفغان عنا ببعيد، وما الشيشان عنا ببعيد، وما هؤلاء المساكين المدنيون العزّل الذين لا سلاح لهم عنا ببعيد، والناس يتكلمون على أن إسرائيل لم تعلن حرباً الآن! فنقول: وما الذي يفعله اليهود أعداء الله الآن؟ أليست حرباً؟! إنها حرب، وفوق ذلك هي حرب ليس فيها أي قدر من التكافؤ، وهذه دناءة وخسة ونذالة، وكما قال بعض الصحفيين: إن طفلاً فلسطينياً خاطب جندياً يهودياً مدججاً بالسلاح قائلاً له: لو كنت رجلاً فاترك السلاح وتعال صارعني، يقول: ففزع اليهودي من هذا الكلام، وهم في حالة معاناة نفسية شديدة جداً من هذا الاستبسال وهذه التضحية، مع عدم وجود أي قدر من التكافؤ على الإطلاق، فهذا جيش مدجج بالسلاح وبأحدث الأسلحة، ويضربونهم بالطيران والقاذفات والصواريخ، وهؤلاء ما يملكون سوى أن يفتحوا صدورهم للموت! إن الأغبياء من أعداء الإسلام لم يفقهوا حتى الآن حقيقة نفسية المؤمن، وحقيقة نفسية المسلم، وقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بدائنا، فأخبرنا بدوائنا، ثم أخبرنا بالداء حينما قال عليه الصلاة والسلام: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قلنا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير) فنحن الآن زيادة على المليار (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)، وهذا هو لب القضية: (حب الدنيا وكراهية الموت).

إنَّ المؤمن يشتغل بعمارة الآخرة وإن خرب الدنيا، فحينما يأتيه خبر الصادق المصدوق في القرآن وفي السنة بأنه إذا استشهد في سبيل الله يدخل الجنة، ويغفر له عند أول دفعة من دمه، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج بسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه إلى آخر هذه الميزات العظيمة التي يجنيها الشهيد، وهو موقن أنها انتقال من حياة إلى حياة، فهو يرتفع شهيداً ولا يسقط شهيداً، إنما يرتفع إلى السماء {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران:١٦٩]، فهذا هو مفتاح شخصية المجاهد المسلم المؤمن الذي لا يكره الموت، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم.

وتفسير كل ما يحصل هو: أن اليهود أعداء الله، وهم الأمة الغضبية التي غضب الله سبحانه وتعالى عليها، وكتب عليها الشقاء، فهم لا يتمنون الموت كما أخبر الله عنهم: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة:٩٦]، وهذا التفسير ليس صعباً لمن فقه عقيدة المسلمين، وقال الله تبارك وتعالى أيضاً عنهم: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة:٩٥]، {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} [الجمعة:٧]، فهم لا يمكن أن يتمنوا الموت، وهذه هي عقيدة اليهود، ولا شك أنهم أقوى من المسلمين بكثير وبمراحل في السلاح وفي القوة المادية، أما من حيث العقيدة فهم قوم كتب الله عليهم الشقاء والذل والصغار، فأما المؤمنون فقد شخص لهم الرسول عليه الصلاة والسلام الداء بقوله: (حب الدنيا وكراهية الموت)، وقد شخص الدواء بعض الخلفاء حينما قال لبعض المجاهدين: احرص على الموت توهب لك الحياة.

وكما قال خالد رضي الله عنه وهو يقاتل أعداء الله: (جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة).

فمن أجل هذا الفارق يحصل ما ترونه الآن من أطفال وشباب عُزَّل أمام هذا الجيش المدجج بالسلاح، هذا التحدي يثير استغراب العالم كله: أناس مستضعفون مقابل هذه القوة الغاشمة المجرمة الظالمة، ومع التخاذل المخزي من المسلمين الذين هم في أوضاع أحسن بكثير من أوضاع هؤلاء، ومع ذلك يثبت هؤلاء هذا الثبات.