نذكر أنموذجاً يحضرنا من العصر الحديث، وقد حدث حينما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، وتصدى لها المسلمون من منطلق الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فقد قام فتىً صغير من الصعيد بالتسلل والرحيل إلى الشمال؛ للجهاد في القاهرة، ثم كان هذا الفتى يتسلّل بمفرده كل ليلة إلى معسكر الفرنسيين، فيدخل مخزن الأسلحة ويستولي على بنادق الفرنسيين، ثم يعود سابحاً في الترعة إلى أهله، فيتسلح بهذه الأسلحة في مقاومة الفرنسيين، وعندما اكتشف الفرنسيون النقص في الأسلحة صدرت الأوامر من القادة الفرنسيين إلى الحراس بالترصّد للمتسللين، فلقد ظن الفرنسيون أن الذي يقوم بعملية السطو على الأسلحة من مخازنهم عصابة هائلة، فإذا بهم يفاجئون بهذا الصبي وحده يصنع هذه العملية، فانقضّوا يحاولون القبض عليه، فما كان من هذا البطل الصغير إلا أنه ظل يقاومهم حتى انكسرت ذراعه ولم يستطع الحركة، فقبضوا عليه وحملوه إلى قائد الحملة وكان يُدعى: ديزي، فلما رآه القائد دُهش بشجاعته وبطولته، فعرض عليه أن يتبنّاه -أي: يتخذه ابناً له- فرفض وقال له: إنك كافر! فانظر إلى وضوح القضية في حس هذا الصبي الصغير! فمع أنه فتىً صغير لكنه يعرف طبيعة العلاقة بيننا وبين هؤلاء الكفار، فرفض التبني؛ لأن ذلك القائد كافر، وقد أُدهش وأُذهل القائد الفرنسي بشجاعته وبسالته، فعرض عليه أن يطلقه على أن يعده بألا يعود إلى سرقة السلاح، فرفض أن يعده بذلك ما دام الكفار باقين في بلاد المسلمين، وكان يمكن أن يكذب عليه ويعده، ثم يعاود أخذ الأسلحة، لكن مبدأ الصدق قد ترسّخ في نفسه منذ الصغر، وترسخت فيه الشجاعة في مواجهة الباطل، فما كان من القائد الفرنسي إلا أن أطلق سراحه، وأمر بتشديد الحراسة على السلاح!!