[تنبيه التيارات الجهادية إلى الاستفادة مما يحدث للمسلمين عبر التاريخ]
رصيد الدعوة دائماً يزيد من الخبرة، ومن التجارب، وما من شك أن هناك كثيراً من التجارب التي كان ينبغي أن نستفيد منها جميعاً، وكل من ينتمي إلى الصف الإسلامي لابد أن يستفيد من هذه التجارب؛ كي تكون رصيداً جديداً، ففي الحقيقة أن الدعوة قد مرّت منذ بداية هذه الصحوة إلى الآن بكثير من التجارب التي كان من المفترض أن يستفاد منها، وتستخلص منها العبر، لكن البعض لا يتعظون، ويصرون على سلوك مسلك معين، على أمل أن يؤدي إلى هدف مقصود.
نحن اعتبرنا بلا شك خلال فترة الصحوة الأخيرة، ومن ذلك وضوح ما يسمى بـ (التجربة البرلمانية)، ومحاولة إعزاز الإسلام وإقامة حكم الله سبحانه وتعالى عن طريق سراب الديمقراطية الموهوم، وما أرى القوم يفعلون إلا كما كان يفعل المشركون في الجاهلية، فيعتبرون الديمقراطية إلهاً يعبدونه من دون الله، ولكنها كأصنام العجوة التي كانوا يصنعونها من التمر فإذا جاعوا أكلوها!! وهذه الديمقراطية التي يعبدونها ويسبحون بحمدها الآن إذا احتاجوا إليها أكلوها والتهموها، كما حصل في مصر، وكما حصل في الجزائر، فالمتعلق بمثل هذا الخيط الواهي يعتبر متعلقاً بسراب لا شيء وراءه ولا طائل تحته.
وما من شك أننا مررنا بكثير من التجارب التي كان ينبغي أن نستفيد منها، وأن نطلق لعقولنا ولأفكارنا العنان؛ حتى نستخلص أقصى ما نستطيع من العبر من خلال هذه المعاناة، ابتداء من حادثة الفنية العسكرية، وغيرها من الأحداث في مصر، إلى هذا المسلسل الأخير الذي نعيشه الآن، فهو علامة بارزة جداً في تاريخ الحركة الدعوية المعاصرة، كأحداث حماس وما أدراك ما حماس! وغير ذلك من الوقائع التي كان ينبغي أن يحصل نوع من التحليل لها، والانتفاع بها، وأن يكون من جرائها رصيد يضاف إلى تجربة العمل الإسلامي، خصوصاً وأننا نتعمد أحياناً أن نغلق أعيننا وآذاننا عن التطلع من خلال نافذة التاريخ.
وهذا أمر من مكامن النقص الخطيرة جداً في بعض الدعاة في هذا الزمان، فينبغي الاطلاع من خلال الرصيد التاريخي العظيم الموجود، والذي يفيدنا كثيراً في تحليل هذه الظواهر، وللتجربة أثر حتى في استنباط الأحكام، كما استقر إجماع أهل السنة والجماعة على عدم الخروج على الحاكم المسلم الجائر، وقد كانوا اختلفوا في أول الأمر، ثم استقر إجماعهم بعد ذلك على عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم الجائر أو الظالم أو الفاسق ما دام أنه في دائرة الإسلام، وما دام يحافظ على الإسلام، قالوا: قد جربنا، ورأينا في الصدر الأول عمليات خروج على الحكام في الدولة الأموية وغيرها، ثم استقر إجماع السلف على منع ذلك، ونصوا عليه في متون العقيدة، كما ترون في متن الطحاوية وغيرها من متون العقيدة، فالعلماء ينصون على هذه القضية لخطورتها، وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى بالتفصيل.
إذاً: الاطلاع من خلال نافذة التاريخ أمر مهم جداً، وهناك دراسة طويلة فيها نوع من التحليل والاستنباط الذي نحن محتاجون إليه، وهي دراسة حركة النفس الزكية: محمد بن عبد الله بن الحسن للشيخ محمد العبدة، عمل فيها دراسة تطبيق فعلي لحركة من هذه الحركات، وما أكثر حركات الخروج، وما أكثر العبر التي ينبغي استخلاصها منها!