[الآيات الدالة على أن السنة تبين القرآن وتشرحه]
المجموعة الثانية: آيات تدل على أن السنة تبين الكتاب وتشرحه شرحاً معتبراً عند الله، مطابقاً لما حكم الله به على العباد، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:٤٤].
هنا تنزيلان: ((َأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ)) المبين وهو السنة ((لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) من القرآن؛ لأن السنة تبين القرآن.
والسنة منزلة كما أن القرآن منزل بنص هذه الآية: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:٤٤].
وقال تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢].
والحكمة إذا أتت في سياق الامتنان على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهي سنته بإجماع السلف، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى كما في هذه الآية.
وتدل الآية على أن الأمان من الضلال يكون باتباع القرآن (الكتاب)، واتباع الحكمة التي هي السنة.
وقال تبارك وتعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة:٢٣١] فكلاهما منزل.
وقال تعالى: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:١١٣]، فالواو هنا تقتضي المغايرة، فالكتاب غير الحكمة.
وقال تبارك وتعالى مخاطباً أمهات المؤمنين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤]، فعطف الله الحكمة على الكتاب، والعطف بالواو يقتضي المغايرة.
والحكمة لا يصح أن تكون شيئاً آخر غير السنة؛ لأن الله تعالى امتن علينا بتعليمها، والمن لا يكون إلا بما هو صواب، وحق مطابق لما عنده، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالكتاب، خصوصاً وأن الله قد قرنها به، وهو لم يوجب علينا كسائر كتبه إلا اتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا المعنى أفاده الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الرسالة.