للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تشريع الاستئذان عند دخول البيوت وغض البصر]

من هذه الإجراءات تشريع الاستئذان وعدم دخول البيوت إلا بإذن، فربما وقعت عين خائنة على عورة غافلة فوقع المحرم.

أيضاً من هذه الاحتياطات: الأمر بغض البصر، يقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] وهنا فعل مقدر محذوف، والتقدير: قل للمؤمنين غضوا يغضوا إلخ، فحذف صيغة الأمر (غضوا) وأتى

الجواب

( يغضوا).

فكأن المؤمنين ليس لهم شأن أمام أوامر الله إلا الامتثال، فأصل الآية: قل للمؤمنين: غضوا يغضوا من أبصارهم، أي: سوف يستجيبون لك إذا قلت لهم ذلك؛ لأن هذا شأن المؤمنين.

وقرن الله سبحانه وتعالى الأمر بغض البصر بالأمر بحفظ الفرج، لأن غض البصر هو السبيل إلى هذا الحفظ، ثم ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠]، حتى يراقب الإنسان ربه ولا يراقب عين الناس، ولا يقع في خائنة الأعين، كما قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩]، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء تمر به، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه ود لو اطلع على عورتها، وأن لو قدر عليها لزنى بها! وقال الثوري: الرجل يكون في مجلس في القوم يسترق النظر إلى المرأة التي تمر بهم، فإذا رأوه ينظر إليها اتقاهم فلم ينظر، وإن غفلوا نظر.

((وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) يعني: ما يجد في نفسه من الشهوة، ولا شك أن خائنة الأعين في هذا الزمان تضاءلت، لأن المرأة الآن تخرج في الشارع على أقبح صورة وأبلغ زينة، فلم يبق احتمال وجود خائنة الأعين إلا عند المسلمين الذين تستتر نساؤهم، أما الذين فتنوا بتقليد الكفار فقد عدمت فيهم خائنة الأعين، وحل محلها تسريح النظر في النساء الأجنبيات ومضاحكتهن ومجالستهن، والتحدث معهن في الخلوة وفي غير الخلوة! يقول تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} [غافر:١٩] يقول سفيان: هي النظرة بعد النظرة فالنظرة الأولى معفو عنها كما في الحديث: (يا علي!، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة).

ويشترط للعفو عن الأولى ألا تكون عمداً، بل تكون نظرة فجأة عفواً بغير قصد، فإذا كان الإنسان ينظر عمداً فلا تحل له الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، فإنما الكلام هنا في نظرة الفجأة التي لا يتعمدها الإنسان.

كذلك يجب على من رأى رجلاً يترصد امرأة أن ينصحه ويرشده إلى غض البصر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر) فهذا إنكار باليد، وهو أبلغ مراتب الإنكار.

وننبه هنا إلى خطأ يقع من بعض الناس حتى المتدينين، وهو التساهل في النظر إلى المخطوبة، فالمخطوبة يجوز لك أن تنظر إليها إذا أردت الخطبة، فإذا لم يكفك النظر مرة طلبت الثانية، ولا يجوز أن يظل الباب مفتوحاً؛ لأنها أجنبية، وإلا أصبحت بنات الناس معارض ومسارح للناظرين، فالخاطب ينظر إليها عند الحاجة، ويتكلم معها عند الحاجة، شأنها شأن أي امرأة أجنبية، لأن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج، لا يترتب عليه أي أثر، فالتساهل في هذا الباب لا شك أنه خلل في نظام الأسلاك الشائكة.