وهناك أدلة كثيرة على هذه المسألة لن نطيل بسردها؛ لأن المقام ليس مقام تفصيل.
خلاصة القول: أن الحكم الإسلامي من أركان هذه الأمة، ومن أهم القضايا في هذا الدين.
إذاً: نقول: هو مِنْ أهمّ القضايا، ولسنا نقول: هو أهم القضايا؛ لأن هناك ما هو أهم منه؛ ألا وهو توحيد الله سبحانه وتعالى.
فنبين ونؤكد على أن الحكم من الدين، ولكنه ليس هو المقصود الأسمى والغاية العظمى من بعثة الرسل، فإنما أرسلت الرسل للدعوة إلى توحيد الله عز وجل، ولا يصح أن يقال: إن الأنبياء بُعثوا لإقامة الحكومة الإسلامية، إنما بعثوا للدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وآية ذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:٣٦]، فلا يصح أن يقال: إن الأنبياء الذين لم يقيموا حكومة فعلية قد فشلوا في دعوتهم، وقد يتأدب البعض في التعبير فيقول: إنهم كانوا يمهدون، فاكتفوا بالتمهيد ولم يقيموا هذه الحكومة، وهذا خطأ، والصحيح أن نقول: إن الأنبياء انتصروا على الكفر، وبلغوا البلاغ المبين، وقاموا بما كلفهم الله به، ألا وهو الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، والدليل من القرآن قوله سبحانه:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات:١٧١ - ١٧٣].
حتى غلام أصحاب الأخدود، كما في قصة الغلام مع الراهب والساحر والملك، هذا الغلام لما أرشد الملك في النهاية إلى كيفية قتله، وطلب منه أن يجمع الناس في صعيد واحد، ويرميه بالسهم ويقول: باسم الله رب الغلام، قال: فإنك إن فعلت ذلك قتلتني.
ففعل الملك ذلك، فما إن أصابه السهم حتى قتل هذا الغلام، لكن هل هو مغلوب؟ لا؛ بل هو منتصر بلا شك؛ لأنه بلغ التوحيد، وأثر في الناس، ودخلوا في دعوة التوحيد، حتى أغراهم الملك بالكفر، وهدّدهم بإلقائهم في الأخدود، فصبروا على دينهم، وأنزل الله عز وجل في ذلك الآيات الواردة في سورة البروج: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[البروج:١ - ٨]، هؤلاء في الظاهر منهزمون، لكنهم في الحقيقة منتصرون، وهذا الغلام مات منتصراً ولم يمت مهزوماً.