كذلك من هذه الأسباب استحضار الهدف، ما هو الهدف؟ الجنة هي الهدف، فلا تطلب الالتزام بالدين لأن تنال الراحة في الدنيا، ولا تطلب الدنيا نفسها، فالصحابة لما بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام ما بايعهم على أن يقسم عليهم المناصب، أنت ستكون وزيراً، وأنت رئيس وزراء، وأنت سنعطيك كذا.
كان الثمن الجنة، بايعوه على أن يبنوا له هذا الدين ويكون الثمن الجنة، قالوا:(وما لنا إن نحن فعلنا ذلك؟ قال: الجنة قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل) لن نطلب منك أن ترفض هذا العهد، ولن نقبل منك إذا طلبت أن نقيلك، فربح البيع.
فالإنسان إذا أخبره الطبيب الكافر النصراني -مثلاً- أن حياته مهددة وأنه لا يوجد أمل أن يبقى في الحياة إلا إذا بترت ساقه -مثلاً- والطبيب أكثر خبرة منه بالعافية التي ستحصل فإنه يسلم نفسه للطبيب يخدره ويقطع رجله، ويصبر على الألم بكل أنواعه من أجل هذه العافية، وهو خبر رجل كافر، فكيف إذا أتانا الخبر من الله عز وجل ومن رسل الله عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام أن العاقبة للتقوى، وأن العاقبة للمتقين، وأن الآخرة خير وأبقى:{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى}[الضحى:٤]، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يعد الصحابة بأن الوطن هو الجنة وليس غير الجنة موطناً، لذلك مر بآل ياسر وهم يعذبون، فبماذا ثبتهم؟ بأن يلمحوا حلاوة العافية فيما بعد، فهو ألم قليل ومرارة ساعة خير من الخلود الأبدي في العذاب:(صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، وأيضاً قال للصحابة والأنصار رضي الله عنهم:(إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) موعدنا هناك، فالإنسان إذا تأمل القبر وما يكون في القبر وأهوال الحشر والحساب والميزان والصراط ومنازل الآخرة، ولمح حلاوة العافية في الآخرة والثبات على الدين فلا شك يهون عليه ما يعانيه.
كذلك كثرة ذكر الموت من أعظم ما يعين على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم:(أكثروا من ذكر هادم اللذات، فإنه ما ذكره عبد في ضيق إلا وسعه عليه، وما ذكره في سعة إلا ضيقها عليه).
هذا بعض ما تيسر من أسباب الثبات على هذا الدين، نقولها كي ننتفع بها ونعمل بها ونجتهد في تحصيلها، فإذا كنا صادقين وكنا نحرص على أن نغير أحوالنا فلا بد من أن نغير أولاً ما بأنفسنا، فيجدد كل واحد من الآن ولا يسوف ولا يؤجل، ويعاهد الله عز وجل فيما يأتي من أيامه على أنه لن يجد موطناً فيه رضاً لله إلا فعله، ولا موطناً فيه شيء يسخط الله إلا اجتنبه، وأنه سيعود ويستأنف الطريق إلى الله عز وجل مجدداً التوبة، ناهضاً من الكبوة، قائماً من هذه العثرة، حتى لو وقع في عثرة في الطريق من جديد سوف ينهض من جديد إلى أن يثبته الله تبارك وتعالى حتى الممات، ويتوفاه على الإسلام.
اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا -اللهم- بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، اللهم! يا ولي الإسلام وأهله! مسكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك وطاعة رسولك، ربنا! لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك.
اللهم! إنا نسألك أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم! إنا نسألك أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم! إنا نسألك أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم! صلِّ على محمد وعلى آل محمدٍ كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
سبحانك -اللهم- ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.