للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام مهمة تتعلق بالجهاد]

نذكر أسساً مهمة جداً فيما يتعلق بهذا الموضوع، وهي: حكم الجهاد في الإسلام، وما هو الجهاد؟ للجهاد حالتان: أولاً: إذا كان للمسلمين دار وسلطان وقوة ومنعة، ففي هذه الحالة ينقسم الجهاد إلى نوعين: الأول: جهاد الطلب والغزو.

الثاني: جهاد الدفاع.

ثانياً: إذا لم يكن للمسلمين دار ولا سلطان ولا منعة ولا استطاعة، ففي هذه الحالة ننظر في مراحل تشريع الجهاد، ونبحث عن أقربها إلى واقعنا، ونستنبط الحكم منه.

فمن المعلوم أن تشريع الجهاد مر بأربع مراحل: المرحلة الأولى: مرحلة الكف عن المشركين، والإعراض عنهم، مع الاستمرار في دعوتهم إلى الحق.

المرحلة الثانية: مرحلة إباحة القتال من غير فرض.

المرحلة الثالثة: مرحلة فرض القتال على المسلمين لمن يقاتلهم فقط.

المرحلة الرابعة والأخيرة: قتال جميع الكفار ابتداءً، حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

وهناك نصوص عن علماء المذاهب الأربعة في إثبات هذه المراحل السابقة.

ونحتاج إلى بيان قضية مهمة جداً، وهي قضية الجهاد والنسخ، فموضوع النسخ في مراحل الجهاد من أهم الموضوعات، وسنذكر أقوال بعض العلماء، وننظر هل هناك نسخ في مراحل الجهاد أم لا؟ ثم نذكر الآثار المترتبة على سوء فهم قضية الناسخ في مراحل الجهاد.

وكما ذكرنا من قبل فالجهاد في سبيل الله عز وجل لا يختلف العلماء في مشروعيته، ولا خلاف في مشروعية الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، وإنما تكمن المشكلة في إطلاق مصطلح (الجهاد) على تصرفات خاطئة ليس لها علاقة بالجهاد.

وقد يكون الخلاف في مدى تحقق مشروعية الجهاد في واقع معين وظروف معينة، وينبغي أن يراعى في هذا الأمر الفرق بين ماضي الأمة وحاضرها، وسنذكر شروط الجهاد الشرعي، ونبين أنه لا يجوز ذم الجهاد بحال من الأحوال، فإن الجهاد فريضة وعبادة لا تُذم أبداً بأي حال من الأحوال، فلا يجوز أبداً أن يوصف الجهاد بالعنف، أو التطرف، أو الإرهاب، أو ما إلى ذلك من المسميات؛ لأن الذي ينكر هذا سينكر القرآن الكريم، وبالتالي يخرج من ملة الإسلام والعياذ بالله.

فآيات الجهاد في القرآن الكريم أكثر وأوضح من أن نحتاج إلى إيرادها في مثل هذا السياق، فالجهاد الذي هو الجهاد الشرعي الاصطلاحي يمدح في جميع الأحوال كما سبق، لكن ما يهمنا هو مناقشة أشياء يطلق عليها جهاد، وهي لا تندرج تحت باب الجهاد، وبالتالي فهناك فرق في الأحكام بين هذه الأمور، فإن هناك تصرفات تسمى جهاداً في هذا الزمان، وهي إما أن تدخل تحت باب النهي عن المنكر، أو الأمر بالمعروف، أو تحت باب الخروج على الحاكم، ولا يعترض أحد ويقول: هذا يسمى جهاداً، نعم، يسمى جهاداً، نقول: لكن ليس على الإطلاق؛ إذ ليس هذا هو الجهاد الاصطلاحي، بل يدخل تحت الجهاد العام، الذي يطلق على سائر أنواع العبادات، كما أن العبادة جهاد، ومدافعة الشهوات جهاد، وذكر الله جهاد، والزكاة جهاد، وأي طاعة لله فهي جهاد؛ لأنه عبارة عن بذل الجهد والمشقة في سبيل تحصيل الطاعة، وهذا سنناقشه إن شاء الله بالتفصيل فيما بعد.