للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل يستجيب دعاة السفور إلى ما تستلزمه دعوتهم من منكرات]

وقد اندفع تيار السفور والتبرج ولم يستطع أحد أن يوقفه، فهذا شكيب أرسلان كتب مقالة يقول فيها: عند إعلان الدستور العثماني سنة (١٩٠٨م) قال أحمد رضا بيك من زعماء أحرار الترك: ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة التركية على جسر غلطة أو بلطة -الذي يربط بين آسيا وأوروبا- وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية.

وكانت هذه هي المرحلة الأولى، يقول شكيب أرسلان: وفي هذه الأيام بلغني أن أحد مبعوثي مجلس أنقرة الكاتب رفقي بيك الذي كان كاتباً عند جمال باشا في سوريا كتب: إنه ما دامت الفتاة التركية لا تقدر أن تتزوج بمن شاءت ولو كان من غير المسلمين، بل ما دامت لا تعقد مقاولة مع رجل تعيش وإياه كما تريد مسلماً كان أو غير مسلم فإنه لا يعد تركيا قد بلغت رقياً.

هذه هي المرحلة الثانية، يقول شكيب أرسلان: فأنت ترى أن المسألة ليست منحصرة في السفور، ولا هي بمجرد حرية المرأة المسلمة في الذهاب والمجيء كيفما تشاء، بل هناك سلسلة طويلة حلقاتها متصل بعضها ببعض لابد أن ينظر الإنسان إليها كلها من أولها إلى آخرها، فإذا كان ممن يرى حرية المرأة المطلقة فعليه أن يقبلها بحذافيرها، أما أن نجمع بين حرية المرأة وعدم حريتها، وأن نطلق لها الأمر تذهب حيث أرادت وتحادث من أرادت وتضاحك من أرادت وتغامز من أرادت ثم إذا صبا قلبها إلى رجل من غير جنسنا فذهبت وساكنته وكان بينها وبينه ما يكون بين الرجل وزوجه أقمنا القيامة ودعونا بالمسدس وقلنا: يا للحمية! يا للأنفة! يا للغيرة! يا للعرض! فهذا لا يكون، وليس من العدل ولا من المنطق أن يكون.

ثم يقول: والنتيجة التي نريدها قد حصلت، وهي أن سلوكنا مسلك الأوروبيين حذو القذة بالقذة في هذه المسألة له توابع ولوازم لابد أن نقبلها، ولا يبقى معها محل لكلمة (أعوذ بالله) كلا! لا يوجد هناك: (أعوذ بالله) بل تلك مدنية وهذه مدنية، تلك نظرية وهذه نظرية، فعلينا أن نختار إحدى المدنيتين أو إحدى النظريتين مهما استتبعت من الأمور التي كان يقال في مثلها عندنا: (أعوذ بالله)! ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى ارتفع صوت الصحفي الكاثوليكي إبراهيم المصري في مصر فكتب مقالة سنة (١٩٢٥م) يقول فيها: إننا لم نخط بعد الخطوة الحاسمة في سبيل تطبيق روح الحضارة العصرية على عاداتنا وأخلاقنا وأساليب حياتنا، إن نساءنا العصريات المتعلمات اللواتي يطالعن الصحف ويقرأن القصص ويغشين المسارح ودور السينما لا يزال يحال بينهن وبين الظهور في المجتمعات البيتية أمام رجل غريب، فنحن قد سلمنا بمبدأ تعليم نسائنا، ولكنا لم نسلم بعد بقدرة هؤلاء النساء على الانتظام في حفل كبير يضم عدداً مختاراً من أفراد الجنسين، ويتألف منه مجتمع مصري مختلط أشبه بالمجتمعات الأوروبية التي نشهدها في مصر، ونحسد الأجانب عليها! يقول: إن هذا راجع إلى أن ثقة الرجل المصري بالرجل المصري لا تزال معدومة، وقد تركز على ذلك أنك أصبحت ترى امرأة صديقك السافرة في الشارع وفي المحل التجاري وفي دار المسرح أو السينما، ثم لا تستطيع أن تراها في بيتها لتتفهم حقيقة شخصيتها، وتعرف كيف تعيش وكيف تشعر وكيف تفكر، أصبحت تبصرها في الحياة العامة وتعجب بها، ولكنك متى أردت تهذيب عواطفك وصقل إحساساتك ومشاعرك بالجلوس إليها والتحدث معها وإشراكها في المسائل التي تشغل عقلك وعقل باطنك حيل بينك وبينها، واتهمت بفساد النية وسوء القصد! ثم يقول: إن المجتمع المختلط هو الذي يقرب مسافة الخلف بين الجنسين، ويقيم علاقات الرجل والمرأة على قاعدة التفاهم الفكري العاطفي! ثم يقول: على المصريين أن يخرجوا من عقولهم، فالاعتقاد الشرقي الشائع بأن الرجل والمرأة متى التقيا فلابد أن ينهض الشيطان بينهما وينفث في نفسيهما سموم الرذيلة والشر هذا هو سر تأخرنا، وهو بقايا عصور الجهل والخوف والظلام! ولا حول ولا قوة إلا بالله! يقول الإمام ابن دقيق العيد: من عذيري من معشر هجروا العقل وحادوا عن طرقه المستقيمة لا يرون الإنسان قد دان حظاً من صلاح حتى يكون بهيمة