أخرج الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن عيسى بن مريم عليه السلام لقي خنزيراً بالطريق فقال له: انفذ بسلام، فقيل: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء.
وعن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: رأيت ابنة الربيع بن خثيم أتته فقالت: يا أبتاه! أذهب ألعب؟ فقال: يا بنيتي! اذهبي قولي خيراً.
أي: أنه خشي أن تكتب في صحيفته كلمة (اذهبي فالعبي)، فتحرز من أن يقول لها: العبي، لكن قال: يا بنيتي! اذهبي قولي خيراً.
والحقيقة أن الدوافع على الغيبة غالباً ما تكون الرغبة في شفاء الغيظ، فالإنسان قد يكون حاسداً لشخص أو بينه وبينه خصومة أو أي عامل من هذه العوامل، فيريد أن يشفي غيظه وينفس عن هذه المشاعر عن طريق الغيبة، فالإنسان إذا جاهد نفسه إزاء ما يجد من هذه المشاعر المقيتة فإنه يثاب على ذلك، وهذا من أفضل الجهاد، كما سنبين إن شاء الله تعالى، فإذا كظم غيظه فله بذلك ثواب عظيم؛ لأن معنى ذلك أن عنده تحكماً وضبطاً لنفسه، يقول عليه الصلاة والسلام:(من كظم غيظاً وهو قادر أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما شاء).
ومن ثمّ قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: التقي ملجم لا يفعل كل ما يريد، يعني: يكون في فمه مثل لجام الفرس الذي يوضع في الفكين، وهو لجام التقوى على لسانه، فليس كل ما يريده الإنسان يفعله؛ لأن معه لجام التقوى، وهو اللجام الذي يحبسه عن أن يفعل كل ما يريد أو كل ما يقدر عليه.
وعن عبد العزيز بن الماجشون قال: قال: أبو حازم لبعض الأمراء -ويبدو أن هذا الأمير آذاه-: والله لولا تبعة لساني لأشفيت منكم اليوم صدري.
يعني بالكلام فيكم.
وعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله).