هذه قصة شاب كان يسكن مع أمه العجوز في بيت متواضع، وكان يقضي معظم وقته أمام شاشة التلفاز، كان مغرماً بمشاهدة الأفلام والمسلسلات، يسهر الليالي من أجل ذلك، لم يكن يذهب إلى المسجد ليؤدي الصلاة المفروضة مع المسلمين، طالما نصحته أمه العجوز بأداء الصلاة فكان يستهزئ بها ويسخر منها ولا يعيرها أي اهتمام، مسكينة تلك المرأة الكبيرة الضعيفة، إنها تتمنى لو أن الهداية تباع فتشتريها لابنها الوحيد بكل ما تملك.
وهذه العجوز لا تملك إلا شيئاً واحداً فقط إنه الدعاء، فهو سهام الليل التي لا تخطئ، فبينما هو يسهر طوال الليل أمام تلك المناظر المزرية كانت هي تقوم في جوف الليل تدعو له بالهداية والصلاح، ولا عجب فإنها عاطفة الأمومة التي لا تساويها عاطفة أياً كانت.
وفي ليلة من الليالي حيث السكون والهدوء، وبينما هي رافعة كفيها تدعو الله، وقد سالت على خديها دموع الحزن والألم، إذا بصوت غريب يقطع ذلك الصمت الرهيب، فخرجت الأم مسرعة باتجاه الصوت وهي تصرخ: ولدي حبيبي! فلما دخلت عليه فإذا بيده المسحاة -آلة مثل الفأس- وهو يحطم ذلك الجهاز اللعين، الذي طالما عكف عليه وانشغل به عن طاعة الله وطاعة أمه، وترك من أجله الصلوات المكتوبة، ثم انطلق إلى أمه يقبل رأسها ويضمها إلى صدره، وفي تلك اللحظة وقفت الأم مندهشة مما رأت والدموع على خديها، ولكنها في هذه المرة ليست دموع الحزن والألم، وإنما هي دموع الفرح والسرور، لقد استجاب الله دعاءها فكانت الهداية، وصدق الله عز وجل إذ يقول:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:١٨٦].