[الفرق بين النظام الإسلامي وغيره في جانب حفظ الأعراض]
قبل أن نذكر احتياطات الإسلام لحماية المجتمع من فتنة المرأة لا بد من مقدمة مهمة نقول فيها: إن كل مجتمع من المجتمعات له عقيدة، فإنه يحدد أهدافاً له يحققها في هذه الحياة طبقاً لما يعتقد.
هذه الأهداف يحققها عن طريق وسائل ونظم تكون خادمة لأهدافه الأولى الأصيلة، وفي إطار هذه العقيدة، فالإسلام عقيدة الحق بلا شك، وهو يهدف من خلال نظامه الاجتماعي إلى تحقيق هدف معين، وهو صيانة الأعراض وترويض الشهوات وضبطها بضوابط أخلاقية تضمن الطهر والعفاف، وتؤدي إلى سعادة الدنيا وسعادة الأخرى.
إذا تأملت في نظام الإسلام ستجد الأحكام كلها تصب في خمسة روافد أساسية، وهي: حفظ الدين، والعرض، والعقل، والمال، والنفس، فأي حكم شرعي ستجده يحافظ على شيء من هذه الأشياء، فالصلاة مثلاً تتعلق بالدين، والزكاة تتعلق بالدين وتتعلق بالمال، وهكذا، فجميع الأحكام الإسلامية لا بد أن تدخل لخدمة أحد هذه المقاصد أو أكثر من مقصد.
والمحافظة على العرض أحد مقاصد الشريعة العليا التي تشكل رافداً أساسياً من روافد الشريعة، فأحد أهداف المجتمع الإسلامي تحقيق هذا الهدف الأكبر من مقاصد الشريعة العليا الخمسة، ومن أجل صيانة الأعراض تجد مئات من الأحكام تصب في هذا المجرى.
وهناك جملة كبيرة من العقائد تمثل خلفية للنظم الإسلامية، كلها تنبثق عن أننا لم نخلق عبثاً ولن نترك سدى، اعتقادنا في هذه الغيبيات: جنة نار حساب صراط ميزان حشر، فكل هذه الأهوال ستصير بين أيدينا ونوقن بوقوعها، من أجل ذلك فنحن ننضبط فنراعي حق الله، ونراعي حق المجتمع، وحق النفس، فحق الله سبحانه وتعالى مراعى في النظام الاجتماعي الإسلامي، فتارك الصلاة وإن لم يؤذ أحداً فإنه مضيع لحق الله.
فالمقصود أن عقيدة المجتمع التي يتبناها لا بد أن تنعكس على نظامه، بحيث يكون النظام خادماً لهذه العقيدة ومتماشياً مع أسانيدها.
النظام الغربي نظام مادي إلحادي، وقضية الدين عندهم قضية شخصية، وكل إنسان حر في تدينه: يكفر، يعبد الشيطان، يعبد الهوى، يعبد الحجر، يعبد الشجر، فهذا أمر يرجع إليه.
اليابان: من أكبر الدول المتقدمة في العالم، وما زال اليابانيون الذين أوتوا القدرة العجيبة على الاختراع يعبدون صنم بوذا! إذاً: هذا مجتمع عقيدته أن الدنيا هي فرصته الوحيدة في الوجود، وأن الدنيا ليس وراءها آخرة ولا حساب، فبالتالي لا شك أن هذه العقيدة ستنعكس على أهداف المجتمع وعلى وسائله، فأهداف هذا المجتمع الملحد الذي يسقط حق الله، أن يحول الحياة إلى متع ومسرات وملذات وشهوات؛ لأنها فرصته الوحيدة، ثم لا يخشى حساباً من أحد، ولا يعرف حق الله، فمن أجل ذلك تجد هذا المجتمع سلك إلى تحقيق هذه الأهداف وسائل كثيرة، ومن هذه الوسائل: رفع الحجب تماماً بين الرجال وبين النساء، وإشراك المرأة مع الرجل في كافة مجالات الحياة، واستعمال الشهوات والتفنن في تزيينها وتحويلها إلى أوضاع بهيمية كما هو معلوم عن أحوالهم.
ففي أمريكا نسبة الزواج (٣٠ %)، وهي لا تتم إلا بعد معاشرة قد تطول، ثم بعد ذلك قد يقررون الزواج وقد لا يقررون، والمقصود أن هذا انعكاس لعقيدة المجتمع الذي لا يؤمن بالله.
وتعريف الحرية عندهم أنك حر ما لم تضر، ونحن نقول: أنت حر ما لم تضر الآخرين وما لم تعص أوامر الله عز وجل.
وعندهم أن لك أن تعتقد ما شئت من العقائد، لكن هذه العقيدة تظل حبيسة الصدر، ولا يكون لها أي تأثير على واقع المجتمع، فقد يعتقدون أن الله خلق العالم ثم حركه ثم تركه، فلا أوامر ولا نواه، ولا شريعة ولا حساب، ولا عذاب.
إذاً: هذه القضية تنعكس على سلوك المجتمع، ولذلك فهم لا يراعون صيانة العرض، قال بعض الباحثين: إن قواميس الأوروبيين تخلو من كلمة العرض، فلا يعرفون الغيرة والشرف والعرض، بل يعتقدون أن الغيرة على النساء من الأمراض النفسية التي ينبغي أن يتخلص منها الإنسان، أو أنها من العقائد الشرقية المتخلفة! فالمقصود من هذه المقدمة: أن المجتمع لا بد أن تكون له عقيدة، وهذه العقيدة تحدد له أهدافاً، وهذه الأهداف يسلك المجتمع وسائل من أجل تحقيقها.
هدف الإسلام من نظامه الاجتماعي هو صيانة الأعراض، فمن أجل ذلك شرع مجموعة من الضوابط كلها تصب في هذا الرافد، وهو صيانة أعراض الناس وترويض شهواتهم وتصريفها فيما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ونحن نوقن أنه ليس من الإنصاف أن نسلك سلوك النظام الغربي في هذا الجانب، ثم نحاول الترقيع بأن نصبغ عليه أدلة من الإسلام، ونصوغه بقواعد النظام الاجتماعي في الإسلام، فهذا ليس من الإنصاف، فضلاً عن أنه يخالف الحقيقة، فيأتي أناس لهم هوى في إباحة الاختلاط، فيفتشون في أعماق الكتب، لعلهم يجدون نصاً قابلاً للتأويل أو حديثاً ضعيفاً، أو أي نوع من القصص المنحرفة فيقولون: الإسلام يبيح الاختلاط، ويستدلون بما ليس فيه دلالة، يقول لك: بعض النساء كن يساعدن الرجال في القتال، فيوسعون هذه الرخصة، ويقولون: لا بد من خروج النساء إلى المجتمع!