قصة أخرى أيضاً من الواقع لشاب تائب يقول: كنت أعمل سائقاً للمسافات الطويلة، وبالجهد والكفاح استطعت بفضل الله أن أشتري سيارة أعمل عليها، وأنا لا أستطيع أن أواصل الليل بالنهار؛ لأني كنت أحلم بالحياة الوردية كما يقولون، مما أدى بي إلى استعمال الحبوب المنبهة، فأصبحت أواصل السهر والسفر من ثلاثة أيام إلى خمسة أيام دون نوم، بقيت على هذا الحال ما يقرب من سنتين، جمعت خلالهما مبلغاً كبيراً، وفي سفرة من السفرات قررت أن تكون هذه الرحلة آخر رحلة، وبعدها أرتاح من هذا العناء، وكانت إرادة الله فوق كل شيء.
ركب المسافرون السيارة، وخرجنا من المدينة وقطعت مسافة لا بأس بها، وإذا بي أفاجأ بسيارة تمر من جواري تسير بسرعة جنونية، أحسست بداخلي بأن أمراً ما سوف يحدث، وبالفعل فما هي إلا لحظات حتى رأيت السيارة المذكورة وهي تتقلب أمامي، ومع تقلبها كنت أرى أشلاء تتطاير في الهواء، هالني المنظر فلقد مرت بي حوادث كثيرة، ولكن الذي رأيت كان فوق تصوري، ووجمت للحظات أفقت بعدها على صوت بعض المسافرين وهم يرددون: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
انظروا الموت لا يفرق بين شاب وعجوز، ولا رجل ولا امرأة، ولا طفل ولا كبير، ولا سائق ماهر ولا غيره، وإنما يأتيك بغتة دون إنذار مسبق، فإذا تذكر الإنسان كثيراً من أصدقائه وأحبابه فإنه يرد على خاطره الكثيرين ممن سبقوه، فهل إذا صرت إلى مثل الذي صاروا إليه ستضمن أنك ستنجو من عذاب الله؟! يقول: قلت في نفسي: كيف لو كنت مكان هذا الشاب؟ كيف أقابل ربي بلا صلاة ولا عبادة ولا خوف من الله؟ أحسست برعدة شديدة في جسمي ثم لم أستطع قيادة السيارة إلا بعد ثلاث ساعات، بعدها أخذت الركاب وعدت، وفي الطريق أديت صلاة المغرب والعشاء، وكانتا أول صلاة أصليهما في حياتي.
دخلت إلى منزلي وقابلتني زوجتي، فرأت تغيراً واضحاً وجلياً في هيئتي، فظنت بأني مريض فصرخت في وجهي: ألم أقل لك اترك هذه الحبوب؟! إنك لن تدعها حتى يخطف الله عمرك فتذهب إلى النار، كانت هذه الكلمات بمثابة صفعات وجهتها لي زوجتي، فقلت لها: أعاهد الله أنني لن أستعمل هذا الخبيث، وبشرتها بأني صليت المغرب والعشاء، وأني تبت إلى الله وبكيت بكاء مراً وشديداً.
أيقنت زوجتي أني صادق فيما أقول، فما كان منها إلا أن انخرطت تبكي معي فرحة بتوبتي ورجوعي إلى الحق، في تلك الليلة لم أتناول عشائي، نمت وأنا خائف من الموت وما يليه، فرأيت فيما يرى النائم أني أملك قصوراً وشركات وسيارات وملايين الجنيهات، وفجأة وجدت نفسي بين القبور أنتقل من حفرة إلى حفرة أبحث عن ذلك الشاب المقطع فلم أجده، فأحسست بضربة شديدة على رأسي أفقت بعدها لأجد نفسي على فراشي، تنفست الصعداء وكان الوقت قد جاوز منتصف الليل، فقمت وتوضأت وصليت حتى بزغ الفجر فخرجت من البيت إلى المسجد، ومنذ ذلك اليوم وأنا -ولله الحمد- ملازم لبيوت الله لا أفارقها، وأصبحت حريصاً على حضور الندوات والدروس التي تقام في المساجد، وأحمد الله أن هداني إلى طريق السعادة الحقيقية والحياة الحقة.