للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زيف الديمقراطية الموجودة عند الغرب]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: فنشرع إن شاء الله تعالى في دراسة قضايا الساعة بنوع من التفصيل والتنظير، بحيث أنها تبقى ملفات تصلح مع الزمن خاصة أننا في هذه الأيام نخوض نوعاً من التجارب الجديدة ينبغي أن تضاف إلى رصيد الدعوة وخبرتها فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الواقع الذي نعيشه، ومع احترامنا لوجهة نظر إخواننا: الإخوان المسلمين، ونعذرهم باعتبار أن الخلاف في هذه المسألة معروف، حتى إن بعض العلماء السلفيين لهم اجتهاد في إباحة الحل البرلماني، لكن دعونا نخوض هذه التجربة ونرصدها، ونستفيد منها ما ينبغي أن يكون لنا رصيداً، ونعتقد أن أعظم وأهم فائدة هو ما أشرت إليه مسبقاً أنه لن يحمل هم هذه الدعوة، ولن يجري تمكينها إلا على يد النائحة الثكلى، وهي الأم التي فقدت ولدها، فتخيل كيف تبكي عليه! وكيف تحزن عليه! فلا يمكن أن يحمل هم الدعوة وهم الدين إلا أهله الذين رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، والذين ارتضوا هذا المنهج وعاشوا من أجله، وماتوا في سبيله، فهؤلاء هم لبنات الدعوة وأصحابها.

أما المشجعون والمتحمسون عاطفياً للإسلام فهم ليسوا الثقل الحقيقي بالنسبة للدعوة، الثقل الحقيقي هو فيمن يتبنونها، ويقتنعون بها، ويضحون من أجلها، أما المصفقون والمتعاطفون فساعة الجد لا يبقى منهم معنا أحد، وإنما نريد النائحة الثكلى، وليس النائحة المستأجرة.

ومع ذلك أنا أعتقد أن التجربة سوف تزيد وعينا لزيف الدعوة الديمقراطية، والديمقراطية لا تزيف عندنا فقط، الديمقراطية في أي نظام هي تزيف حتى في أمريكا، فالنظام الرأسمالي له طرق أخرى يكون فيها التزييف، وعندنا في هذا الوقت اختراع طرق عجيبة للتزييف مثل أطفال الأنابيب، وأطفال المفاتيح، وعندنا في هذا الوقت نظام جديد يطلق عليه نواب الظرف وهو أنه يوزع على الناخبين ظروفاً بسعر أصواتهم التي يعطونها له، يعني: بعض المرشحين يحكي لي موضوع نواب الظرف هذا، فقلت له: من الممكن أن يأخذ منه الفلوس ويدخل ينتخب شخصاً غيره، يعني: يأخذ خيري وينتخب غيري، قال لي: هو يعطيه قبل دخول اللجنة نصف المبلغ ويعطيه موبايل بكاميرا، ويدخل في الداخل ينتخب ويصور بالكاميرا، ويطلع خارج يأخذ بقية المبلغ، وهذه في الحقيقة أشياء عجيبة جداً، والتجارب سوف تزيد رصيدنا من أننا نقدر فعلاً أن نحكم على هذا الاتجاه، هل هو فعلاً فيه خيارات بغض النظر عن اعتقادنا نحن أنه يخالف الشرع من الأساس، لكن نقول: حتى إخواننا الذين عندهم أمل وطموح أن يحدث التغيير لحال الأمة بهذه الطريقة أعتقد سيستفيدون كثيراً، ونحن أيضاً سنستفيد معهم من هذه التجربة.

الديمقراطية تزيف في كل العالم لماذا؟ لأنها نظام بشري، والنظام البشري لابد أن يخضع للأهواء، يعني: أمريكا التي تدعي أنها صاحبة رسالة لتجمل وجهها القبيح وتقول: حقوق الإنسان والبيئة، والديمقراطية والإصلاح.

وأمريكا نفسها إذا نحن قعدنا تضربنا وتأمرنا بأن نقف، وعندما نقف تضربنا وتأمرنا بأن نقعد، فهي لا تريد لنا استقراراً؛ لأن عدم الاستقرار هو الذي يسوغ تدخلها كما حصل في العراق، وكما حصل من يلتسن لما ضرب مبنى البرلمان المنتخب في روسيا بالأسلحة والنار، وقد حوصر فيه النواب، فهذا ذبح للديمقراطية حقهم، لكن الغرب كله سكت وهلل؛ لأنهم كانوا يريدون انهيار المعارضة ضد يلتسن لأجل الوضع الذي كان معروفاً في روسيا.

فنحن متعودون على أن الشرق بالأولى يتعامل مع موضوع الديمقراطية نفس تعامل المشرك الجاهلي مع صنم العجوة، الإله الذي كان يعبده، وفي ساعة الاحتياج والجوع يأكل الصنم رغم أنه إلهه، والأمر نفسه يحدث عند الغرب فتراهم يمجدون الديمقراطية والإصلاح وكذا وكذا، لكن إذا جاعوا يلتهمون هذا الإله ويأكلونه في بطونهم، فهذا نموذج متكرر وليس حالة مفاجئة، فهذه الأساليب موجودة بصورة أو بأخرى تتفاوت بين مجتمع إلى آخر، لكن السبب أنه نابع من الأهواء البشرية، وهذه إحدى المزايا العظمى للشريعة الإسلامية أنها منهج رباني معصوم من الأهواء.

ولذلك لو تأملنا القرآن الكريم سنجد دائماً الهوى أنه يكون في مقابلة الوحي، فهما عدوان لا يلتقيان وضدان لا يجتمعان أبداً، قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:٢٦].

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤] وقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} [القصص:٥٠] يعني: للوحي {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:٥٠] ولو استقرأت القرآن فستجد دليلاً للوحي في مقابلة الهوى، فالتحيز يكون نتيجة للهوى، ونتيجة العنصرية في اللون أو الجنس أو نحو ذلك، وسوف تجد هذا في هذه النظم الوضعية الأرضية، أما النظم المنزهة عن الهوى فهو النظام الإلهي الذي يتجسد في القرآن الكريم.

فنموذج صنم العجوة موجود، وهذه هي الديمقراطية؛ لأنها نابعة من نظام بشري غير معصوم، فبالتالي يحصل اتباع الهوى، وهذا ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في سورة الحديد حينما نعى على النصارى اتباعهم وإحداثهم الرهبانية، فقال عز وجل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:٢٧] فقوله تعالى: ((وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا)) هذا إثبات أنها بدعة في النصرانية، ولم يشرعها الله سبحانه وتعالى، فتحريم الطيبات وتحريم الحلال هذا ابتداع من البشر.

قوله: ((مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)) أي: ما شرعها الله سبحانه وتعالى ولا أمرهم بها.

قوله: ((إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ)) هذا استثناء منقطع، بمعنى: ولكن كتبنا عليهم أن يبتغوا رضوان الله عن طريق العبادات المشروعة لا المبتدعة، ومع أنهم ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم إلا أنهم لم يرعوها حق رعايتها، فهنا الذم يكون أشد وأبلغ؛ لأنك تبتدع مبدأ ثم أنت لا تحترمه ولا تلتزمه فهذا أجدر بالذم، ونفس الشيء في الديمقراطية التي ابتدعوها ما كتبناها عليهم، وما رعوها حق رعايتها، وما أسهل ما تلتهم بكل ما أمكن من الأساليب.

ففي تركيا مثلاً توجد انتخابات وحرية وكذا وكذا، وليس عندهم تزوير، لكن عند ساعة الجد وعند أي اختراق للون الإسلامي أو الطيف الباهت فإنه يحسم الأمر ويحل البرلمان.

وفي الجزائر كانت تجربة صارخة، فمن الذي صنع الديمقراطية في الأصل؟ هم الغرب.

وفي الكويت في يوم من الأيام حُلّ البرلمان بجرة قلم.

وأنا أعتقد أن برلماننا العظيم سوف يكون برلماناً منحلاً على غرار الجماعة التي يصفونها بأنها منحلة، بمعنى: أنها حزب منحل، وإن كانت الكلمة لا تخلو من نوع من اللمز، لكن يبدو هكذا أنه سوف يبقى البرلمان كله منحلاً، والله المستعان!