[تكريم الإسلام للمرأة ومساواتها بالرجل في كثير من الأحكام]
شرع الله سبحانه وتعالى تكريم المرأة بقوله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:٢٢٨].
ويقول عمر: (ما كنا في الجاهلية نعد النساء شيئاً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم) فسوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الإنسانية، فقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ} [الحجرات:١٣]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)، و (شقائق): جمع شقيقة.
كذلك سوى الإسلام بينهما في أغلب تكاليف الإيمان، وفي الأهلية كأهلية الوجوب وأهلية الأداء، فهذه ثابتة في حق الرجل وفي حق المرأة.
ويقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة:١٠] إلى آخر الآيات.
وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:٥٨].
ومما يعلم من دين الإسلام بالضرورة أن المرأة عليها ما على الرجل من أركان الإسلام، إلا الصلاة فإنها تسقط عنها في زمن الحيض والنفاس، وتتركها ولا تعيدها لأنها كثيرة، أما الصيام فيسقط عنها في زمنهما فقط كما هو معلوم ثم تقضي، أما الحج فيصح منها في كل حال، إلا الطواف فلا يصح منها حال الحيض.
وكذلك هناك مساواة بين الرجل والمرأة في المسئولية المدنية والحقوق المدنية، قال عز وجل: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء:٣٢].
ويقول تبارك وتعالى أيضاً: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:٣٨] فالمسئولية واحدة.
كذلك هناك مساواة بين الرجل والمرأة في جزاء الآخرة وثواب الآخرة، يقول تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧]، وقال تبارك وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:١٩٥].
وفي مشاهد القيامة يقول تبارك وتعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد:١٢].
فالإسلام سوى بين الرجل والمرأة في الإنسانية وفي التكاليف، وفي الجزاء والثواب في الآخرة، فالقضية التي نناقشها اليوم ليست هي قضية المساواة بين الرجل والمرأة وتفاصيل ذلك، وإلا فهناك مجالات ليس فيها مساواة، هناك أحكام تخص الرجل وأحكام تخص المرأة ليس هذا أوان الكلام فيها، لكننا نريد الكلام على موضوع المساواة في قضية بعينها، وهي أن للمرأة حقاً بأن تتعلم وأن تعلم، خصوصاً داخل المنظومة الإسلامية، فلها حق التعليم في ضوء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)، فنخص قضية المساوة في الحقوق التعليمية والتربوية والدعوية دون ما عداها؛ لأنها ألصق بموضوعنا، فيقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٧١] واضح من هذه الآية أن للمرأة دوراً في الدعوة، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغاية ما في الأمر أن هناك ضوابط لعملها، وأولويات في وظائفها تختص بها عن الرجل.
ونحن عندما نبدأ بهذه القضية يجب أن نطرحها موثقة بأدلتها الشرعية، بأن نزيل عنها ما لحق بها من سوء فهم، ونزيل الشبهات التي أثيرت حولها، فبعض الناس يزعمون أن الدعوة هي واجب الرجال دون النساء، والرد عليهم واضح في قوله تبارك وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:٧١] إلى آخر الآية، ويقول عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].
فقوله: (ومن اتبعني) تشمل كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، سواء أكان من الرجال أم من النساء؛ لأن (من) تشمل كل العقلاء رجالاً كانوا أو نساءً.
كذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، وقال أيضاً: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.