للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع الرؤيا]

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأصدق الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

روى ابن ماجة بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرؤيا ثلاثة: منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).

وفي حديث عند الترمذي: (الرؤيا ثلاثة: فبشرى من الله، وحديث نفس، وتخويف من الشيطان).

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقرر في هذين الحديثين الشريفين أن الرؤى ثلاثة أنواع: الأول: حديث النفس، وهو الذي يسميه العلماء الماديون بالانعكاسات النفسية، أي: خواطر النفس والتطلعات التي يصبو الإنسان إلى تحقيقها في الحياة، فيراها في المنام، فهذه انعكاسات تشغل الإنسان عما يصبو إليه في يقظته، فهو يحلم بها أثناء النوم حيث لم يستطع أن يحققها في واقع الحياة.

النوع الثاني: الرؤيا التي لم يفكر بها صاحبها يوماً ولم تخطر على باله، وهذه الرؤيا بعيدة كل البعد عن تفكيره، وقد يراها بصورة جلية ولا تحتاج إلى تفسير ولا إلى تأويل، وقد تكون هذه الرؤيا أمثالاً مضروبة أو أحداثاً مشبوكة تحتاج إلى علم وتقدير وفهم ثاقب ونظر بعيد، وما كل من رزق علماً رُزق فهماً بتأويل الأحلام والرؤى.

فالرؤيا الحقة هي من الله سبحانه وتعالى وليست من الشيطان، وهي جزء من أجزاء النبوة، ومثل هذا العلم ليس عبثاً، بل هو علم له أهله المختصون به، ومن راجع سورة يوسف عليه السلام وجد دليل ذلك وبرهانه.

إذاً: هذا النوع من الرؤى هي من الله سبحانه وتعالى، وهي بشرى للمؤمنين، وهي البقية الباقية من حقيقة النبوة، ولذلك كان بعض الناس إذا سُئل عن تفسير بعض الرؤى اعتذر عن التفسير، وإذا أنكر عليه الناس ذلك الاعتذار يقول: تريدونني أن أكذب في الوحي؟! باعتبار أن الرؤيا نوع من أنواع الوحي أو جزء من أجزاء الوحي، صحيح أن الوحي الإلهي قد انقطع، وأن النبوة قد ختمت بخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، لكن لم يبق إلا هذه الرؤى وهي المبشرات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يبق إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات قال: الرؤيا الصالحة) رواه البخاري وزاد مالك من طريق عطاء بن يسار: (الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له) إما يرى الرؤيا بنفسه أو يراها له غيره.

وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) متفق عليه.

وإذا كانت الرؤيا من الرسول أو من نبي من الأنبياء فهي حق لا يمكن أن يطرأ عليها كذب أبداً، بل هي في الحقيقة وحي إلهي، ورؤيا الأنبياء وحي، وقد بادر خليل الرحمن عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلى ذبح ولده عندما رأى في المنام أنه يذبحه؛ وما ذاك إلا لأنه يقطع بأن رؤياه وحي من الله سبحانه وتعالى، أما غير الأنبياء فقد تقع الرؤيا التي هي من أقسام الوحي كما ذكرنا.