للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا ينبغي الاختلاف في ثبوت دخول رمضان]

وقد نبتت طائفة ممن شذوا عن إجماع السلف الصالح رضي الله عنهم وبدءوا ينشرون هذه الفتنة بين وقت وآخر، وهي: الكلام في موضوع الحساب الفلكي والاعتماد عليه، وتقديمه على الرؤية البصرية إلى آخر هذا الكلام الذي يتكرر بصورة موسمية كلما آن هذا الأوان، لكن الذي ينبغي أن نلفت النظر إليه هو أن جميع علمائنا بلا استثناء متفقون على عدم مخالفة المفتي على الأقل في الظاهر، فكل علمائنا يفتون بهذا؛ لأن المخالفة في الظاهر تؤدي إلى فتنة عظيمة جداً بين الناس وإلى بلبلة، والناس في الحقيقة غير محتملين لمزيد من البلاء، يكفيهم التشنيع والحملات الصحفية والإعلامية على الدعوة الإسلامية، وعلى الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى الملتزمين بدينهم، فلا نريد مزيداً من التشنيع، فعلماؤنا ينصحون بأن الإنسان في مثل هذا الوقت لا يخالف على الأقل في الظاهر، ينقسمون فرغم أن المفتي يقيم فتواه على الحساب الفلكي بصفة أساسية إلا أن كثيراً من أهل العلم يرون متابعته حتى لو كان الأمر على هذا النحو، وهذا قول كثير من العلماء المعاصرين أن يتابع حتى وإن كان مخطئاً في ذلك، بناءً على أن الشهر هو ما اشتهر وعرف بين الناس أنه هو الشهر، ويعتمدون أيضاً على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي في الترمذي: (الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فلابد أن ندرك هذه القاعدة: أن موضوع عدم الجهر بمخالفة المفتي هذا موضع اتفاق بين جميع العلماء، لا يوجد أحد من العلماء أبداً يقول لك: اخرج للناس في الطريق وإذا كانوا صائمين تظهر الإفطار أو العكس، أو تقيم صلاة عيد والأمة بجملتها لا تصلي العيد في هذا اليوم، فينبغي أنه لا يوافق أحد من العلماء على أن يجهر بالمخالفة، غاية ما في الأمر أن من لا يوافق العلماء، أو لا يأخذ بقول العلماء الذين يقولون بموافقة المفتي، أن يكون قلبه غير مطمئن، فهو يرى شرعاً أنه قد هلّ هلال رمضان، وصام هذا اليوم من رمضان وقلبه لا يطيق، إذاً يكون هذا مسلكاً شخصياً في السر لا يجهر بالمخالفة ولا يدعو أحداً إلى ذلك، فله أن يقوم الليل مثلاً لأن هذا في اعتقاده أول ليلة من رمضان، يقوم الليل مع أهله في بيته ولا يجهر بالمخالفة، كذلك في نهاية رمضان، حتى نفوت على أعداء المسلمين وأعداء الأمة هذا الغرض الخبيث، وهو المزيد من التمزيق لنفوسنا، وإحلال الحزن والهم والغم محل الفرحة التي اعتدنا عليها منذ شرف الله بلادنا بالإسلام، فأنت تشعر بطعم العبودية وطعم التعبد وأنت تجلس وتنتظر هل غداً سيحرم علينا الطعام والشراب أم لا؟ ماذا سيحكم الله عز وجل علينا في الطعام والشراب الذي هو حلال لنا في نهار اليوم ثم غداً يكون حراماً بحكم الله عز وجل؟ فكان هناك طعم للعبودية ولترقب رؤية الهلال! فنجزم جزماً على الإخوة ألا يجهر أحد ولا يدعو غيره، لكن يكون الأمر محدوداً جداً، ولا تظهر المخالفة بأي صورة لعموم المسلمين، فهذا فيما يتعلق بهذا الأمر، أنه من سيوافق المفتي في فتواه وفي منهجه لا تنكر عليه، فإذا كنت غير مطمئن لهذه الفتوى، ويعظم في قلبك أن هذا ثبت بصورة شرعية في أحد البلاد الإسلامية، بالذات التي فيها قضاء شرعي وفيها علماء ثقات وتعظيم لهذا الأمر ومراعاة لحدود الشرع فيه، فإن أخذت بذلك فلا تدع إلى المخالفة، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الفتن، ويوفق جميع المسلمين في هذا الأمر.