[واجبنا نحو مخططات الكفار]
السؤال
نعرف مخططات الغرب وعداءهم للإسلام، فما الواجب علينا شرعاً تجاه هذه المخططات اليوم؟
الجواب
هذا سؤال هام جداً، فيحتاج إلى إجابة مفصلة، ولكني أجمل فأقول: الطريق إلى تحقيق مآرب الأمة الإسلامية التي منها تحرير القدس التي تباع الآن بأخس الأثمان والتي حفتها الخيانة من أول يوم في تاريخ هذه القضية، الطريق إلى تحقيق كل أهداف الأمة الإسلامية -ومنها تحرير فلسطين- لابد من أن يمر بإحدى الدول الإسلامية، فمن هي هذه الدولة؟ هي الدولة التي تتمكن من إقامة الخلافة الإسلامية من جديد على أرضها، إذاً: كيف تقوم هذه الدولة؟ إن أي دولة إسلامية تقوم فيها خلافة إسلامية وكيان إسلامي سوف تقلب موازين العالم كله، ومن أجل هذا ستكون الحرب التي يشنها الغرب على المسلمين، فكيف تقوم هذه الدولة؟ لقد وصف القرآن لنا ذلك فقال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:٥]، فهذا وعد من الله؛ لأن الله قال: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء:٨] يعني إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى تسليط عبادنا عليكم، فما صفات هؤلاء؟ وصف الله هؤلاء الذين يصلحون لهذه المهمة الإسلامية بقوله: {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:٥] جمعوا بين القوة والأمانة، كما قال يوسف عليه السلام {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:٥٥]، وكما قال مخاطب سليمان عليه السلام {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل:٣٩]، فكذلك هنا {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:٥] يحققون عبودية الله عز وجل وحده، وفي نفس الوقت يأخذون بأسباب القوة، وليست فقط القوة، ولكنهم أولو بأس شديد.
ونحن نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام تنبأ أن اليهود لن ينعموا أبداً بما يسمونه السلام الأبدي، بل لابد من قتال بينهم وبين المسلمين يمكن الله فيه للمسلمين، وينصر المسلمين فيه، حتى إن الشجر والحجر يعينان المسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (لن تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر فيقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
فالشاهد أن الرسول عليه السلام لم يخبر عن الشجر أنه سيقول: يا عربي! يا قومي! يا بعثي! يا مصري! يا فلسطيني! فلن ينادي بهذه المسميات أبداً، وإنما يقول: (يا مسلم! يا عبد الله!)، فهؤلاء فقط هم الذين يحققون هاتين الصفتين: الإسلام والعبودية لله، وهم القادرون على ذلك.
فالخلافة لن تعود إلا على منهاج النبوة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، فالأمة مخاطبة، والجماعات الإسلامية مخاطبة، والآحاد والأفراد كلهم مخاطبون بأمر واحد، كل واحد منا لله عز وجل عهد عليه، وليذكره من الآن، فنحن نقترب جداً من وقت النصر والتمكين لهذا الدين في الأرض، وقد جعل الله تعالى للنصر طريقاً، هذا الطريق هو آية في سورة الرعد: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] فلو أن كل واحد بجد وبهمة عالية عاهد الله عز وجل على أن يغير ما في نفسه مما لا يرضي الله من صفات أو أخلاق أو تفريط في حق الله وفي جنب الله، وعزم على أن يصلح نفسه من الآن ولم يؤجل، ولو أن الأمة قامت بتوبة جماعية كتوبة قوم يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لكافأنا الله عز وجل بأن يغير ما بنا من أحوال ومن تردي ومن هوان.
ثم بعد ذلك الأخذ بكل أسباب القوة في سبيل التمكين لهذا الدين، فبعض الناس يهربون من مواجهة الواقع، ويحسبون أن السنن الكونية تجامل وتحابي، فلأننا موحدون سوف تنزل علينا الملائكة وتنصرنا حتى لو قاتلنا بالسهام والحراب والسيوف! إن السنن لا تحابي أحداً حتى الأنبياء، فالأنبياء جرحوا وقاتلوا وعانوا كثيراً جداً، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران:١٤٦]، وكثير من الناس يفزعه البون الشاسع الذي بيننا وبين الكفار في الحضارة والقوة والعلم والمال وغير ذلك فيستسلم ويتخاذل، ولا يجد سبيلاً إلا أن يقول: سوف تنزل معجزات من السماء تنصرنا على أعداء الله، سوف تنزل الملائكة وتحارب معنا! نعم، لكن ألم يقل الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠]؟ ألم يصف الله عباده الذين سيقتلون اليهود ويذلونهم فقال: {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:٥]؟ ليس بأساً فقط، لكنه بأس شديد، فبعض الناس يهربون من مواجهة الحقيقة إلى الأحلام والأماني، وبعضهم يقول: ننتظر حتى يخرج المهدي، وكل شيء سوف يحل، والسنن سوف تحابينا لأننا موحدون! السنن لا تحابي أحداً، فالكافر إذا زرع الأرض وحرثها ورعى الزرع ينتج، والأرض لا تقل له: أنت كافر لن أزرع لك، وفي نفس الوقت المسلم الموحد إذا قصر في حرثها فلن تقول له: سوف أنبت لك لأنك موحد! يجب أن نكون على يقين بأن الله سبحانه وتعالى له سنن، كما قال عز وجل: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠]، فيوم لك ويوم عليك، وهكذا دواليك، ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، ولابد من أن تكون العاقبة للتقوى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨].
إذا تأملنا حال بريطانيا فبريطانيا في يوم من الأيام كانت تسمى الأمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، والآن بريطانيا عبارة عن كوكب يدور في فلك أمريكا، فصارت تابعة لأمريكا، والله تبارك وتعالى قادر بقوته على أن يزيل أمريكا ويصغرها ويذلها إذا خرج من يشترون الحياة الدنيا بالآخرة، فالذي ينصر المؤمنين ليس هو الأسلحة ولا المال، وإنما هو الله عز وجل: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ} [الحج:٤٠]، لكن ينبغي الأخذ بالأسباب، واستفراغ الوسع في الأخذ بهذه الأسباب، فكل ما يمكن أن يكون قوة تضاف إلى رصيد المسلمين فينبغي عدم التفريط فيه إلى أن يأذن الله عز وجل بالتمكين لهذا الدين.
أما مكائد المشركين وحيلهم فالله عز وجل زودنا بما ندفع به هذا، قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:١٥ - ١٧]، فهم ينفقون الأموال، لكن قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦]، ويقول تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحج:٧١].
فالمسألة هي الأخذ بالأسباب، واحترام السنن الكونية، واحترام السنن الشرعية أيضاً، وعدم التعجل والتهور، فحينئذ يكافئ الله تبارك وتعالى من يقيمون دينهم بأنفسهم ويجتهدون في بثه ونشره والجهاد في سبيله، يقول عز وجل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ} [القصص:٥] فهي منة، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:٥]، ويقول تبارك وتعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:١٣٧]، فهذا الوضع الذي نحن فيه من المذلة والهوان والضعف والقهر وخيانة الحكام كل هذا ليس جديداً، فأمثاله كثيرة جداً في التاريخ الإسلامي.
فقد حصل أن الأمة نهضت من الكبوة وفاقت من السكرة بعد أن بقيت فلسطين في يد الصليبين ما يزيد على تسعين سنة، ومع ذلك حررت، وفلسطين الآن لها في أيدي اليهود مدة تقل عن المدة التي استولى الصليبيون فيها على بيت المقدس، وقيض الله عز وجل نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي فمكن الله لهذا الدين على أيدهما.
وكذلك فتنة التتار، وحصلت كثير من المواقف التي كانت قريبة من حالنا، فالأمل في سنن الله، وقراءة التاريخ تعطينا العبرة، فهذا شيء ممكن، وليس صعباً أن يمكن الله تبارك وتعالى للمسلمين على ما هم فيه من ضعف.
ولكن من أين يبدأ الحل؟ وما هي الحقيقة حتى لا نهرب من مواجهتها؟ الحل أن يبدأ التحول من الآن وبلا تأجيل، فكل واحد منا يراجع نفسه، فينظر في كيفية حاله مع الله؛ وهل يقصر في حقوق الله؟ وهل يبذل كل ما عنده لله؟ وهكذا يراجع ويصلح حاله مع الله ويبدأ يبذل، ففي هذه الحالة ينطبق علينا قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] هذه هي الغاية، فإذا غيرنا أنفسنا حتماً فسيغير الله تعالى حالنا، والله تعالى أعلم.