مما يبين أهمية هذا الحوار الصريح الذي نحتاجه أمور كثيرة: أولها: أن الإنسان لابد أن يتبصر، أي: لا يمشي ثم ينظر، بل ينظر أولاً قبل أن يمشي، ولا ينبغي أن ينظر فقط تحت قدميه؛ بل ينبغي أن تكون نظرته للأمور وتقديراته للعواقب دقيقة؛ لأن ديننا يحتم علينا النظر في عواقب الأمور، دون التفات إلى الثمرات العاجلة أو العاطفية؛ بل لا بد أن تنظر إلى مدى أبعد، وأن تأخذ بما استطعت من علم وفهم في تقدير الأمور، والتفكير فيها.
ففي أي تصرف تسلكه لا بد أن تتذكر أن الدنيا دار ابتلاء، وأن الآخرة هي دار ظهور النتائج، فلا تتصرف في هذه الدنيا على أساس أن النتيجة الآن بارزة أمامك؛ لأنك لست نبياً معصوماً يوحى إليه، بحيث تقطع بأن مسلكك هو الحق الذي لا خفاء فيه، ولا مرية فيه.
فهذه الدنيا دار ابتلاء، ونحن لا ننسى أبداً أننا في دار امتحان وابتلاء، والنتائج تظهر هناك، وبالتالي فالإنسان قبل أن يخطو خطوة لا بد أن يستفرغ كل وسعه في أن يتأكد أن هذا -فعلاً- يقوده إلى الجنة، وإلى رضوان الله تبارك وتعالى.
فمهما كانت العواطف تسيطر أحياناً على بعض الناس، وتكون هذه العواطف متأججة، فلا اعتبار لها ولا وزن، وإن كان لها اعتبار بحسن النية، والنية بينك وبين الله سبحانه وتعالى، لكن لابد من الإصابة في العمل، نحن لا نتناقش مع أحد في حسن نيته، وما نظن أن أحداً من إخواننا الذين يسلكون هذه المسالك يريد غير وجه الله عز وجل، ولكن نقول: كم من مريد للخير لا يبلغه، ونقول: إنه لابد من استفراغ الجهد في التأكد من أن هذا العمل يرضي الله عز وجل، فقد حصلت محن كثيرة للدعوة، وما نظن أحداً دخل في هذه المحن إلا وكان مخلصاً، مثل فتنة أحداث الحرمين سنة ألف وأربعمائة هجرية، حين ادعى بعضهم ظهور المهدي.
وحصلت أحداث أخرى كثيرة جداً، وكان العمود الذي تقوم عليه هو العاطفة فحسب حسن النية فحسب، بدون بصيرة، وبدون تقدير للأمور.
وهناك أمر مهم جداً، وهو: أنه يحصل في ساحة العمل الإسلامي -أحياناً- نوع من التجاوزات، كما رأينا أمثلته كثيراً في جماعة التكفير، فإن المبتدع أو الإنسان المنحرف يشعر بالوحشة؛ لأنه يشذ عن منهج الفرقة الناجية، فيفزع أحياناً إلى بعض الأعمال لإرهاب المخالف؛ كي يكثر عدد من معه حتى تزول عنه هذه الوحشة، وهو يستوحش إذا رأى رجلاً على علم ليس معه ولا يوافقه، فلذلك رفع هذه القاعدة التي يساء استغلالها: من لم يكفر الكافر فهو كافر، أي: إذا لم توافقه في تكفير هذا الشخص فأنت أيضاً تكون كافراً.
ولسنا في مقام الرد على هذه القاعدة أو سوء استعمالها.
فينبغي لمن أراد وجه الله سبحانه وتعالى، ومن أراد النصيحة للمسلمين في مثل هذه القضايا الحساسة، ألا يضع أي اعتبار لأي نوع من الضغوط، سواء كانت هذه الضغوط من داخل الصف الإسلامي، أو من خارج الصف ممن ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا ضد دين الله، وضد دعوة الله تبارك وتعالى، فالمسلم لا يخضع لأي ضغوط من أي طرف من هذه الأطراف؛ لأنهم دائماً يلوحون بالاتهام وسوء الظن، كقولهم: من لم يشاركنا في هذا المنهج فهو من المنافقين، أو نحو هذا الكلام.