للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانفصام بين ديانة بعض المسلمين وواقع أعمالهم]

إن من المسلمين من يرحب بالبث المباشر وسرعة إدخاله بحيث يصل إلى كل بيت دون حاجة إلى الأطباق المعروفة فرحين ومهللين ويقولون: نحن سننفتح على العالم وكذا وكذا.

وهذا يذكرني بقول الله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف:٢٤ - ٢٥].

هناك شبه كثيرة عند هؤلاء الذين يرحبون بهذه النيران التي لا تبقي على أخضر ولا على يابس، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فنحن لا نعجب إذا رأينا في زماننا قوماً حرموا من نعمة الهداية، فمنهم من أشرب في قلبه حب عبادة الأبقار، والتفاني في سبيل الانتصار لها بالروح والدم، حتى إن غاندي ظل يقارن بين أمه وبين البقرة التي يعبدها من دون الله سبحانه وتعالى ففضلها على أمه! وليس بعد الكفر ذنب.

فالناس وصلوا إلى هذا المستوى من الانحطاط الفكري والعقائدي والشرك بحيث عبدوا البقر.

وحكى بعض الناس أنه رأى معابد من الرخام الأبيض في بلاد شرق آسيا في منتهى الفخامة يعبد فيها الفئران، وحكى بعض الإخوة أنه رأى بعض الناس في مناطق من شرق آسيا من شدة تعظيمهم للفئران أن أحدهم يأكل والفأر يصعد على رأسه وعلى كتفه ولا يستطيع أن يؤذيه؛ لأن هذا إلهه في نظره.

فهل نعجب حينما نرى أمثال هؤلاء الناس في الشرق أو إخوانهم في الغرب ممن انتكسوا وارتكسوا وصاروا في مستوى أقل من البهائم والعجماوات في أخلاقهم وعقائدهم وأفكارهم؟! هل نعجب من أن هؤلاء يقعون بالمرة في حمأة التلفزيون والفيديو وهذه الرذائل؟! هذا لا يستغرب؛ لأن الشيء من معدنه لا يستغرب، فهؤلاء أولى الناس بهذه المهالك وهذه المآسي.

لكن العجب الذي لا ينقضي منه العجب أن نرى مسلمين حنفاء موحدين يشربون في قلوبهم حب التلفزيون والفيديو! تجد المسلم يجلس ويرى هذه المناظر القبيحة أمام بناته وأمام زوجته وأمام أبنائه ولا يتحرك ولا يبالي، وصار الشيء كأنه أمر عادي جداً، لا إحساس ولا غيرة ولا حياء، فكيف يستوي المسلم الذي يؤمن بالآخرة ويخشى حساب الله سبحانه وتعالى في الآخرة مع هؤلاء الملاحدة؟! إذاً: نحن لا نستغرب أن يقع من هؤلاء الكفار في الشرق أو في الغرب أو في الشمال أو في الجنوب مثل هذا الإسفاف وهذا الانحلال، هذا لا يستغرب؛ لأن هذا ثمرة خبيثة من ثمار عقائدهم الفاسدة وانحرافهم عن منهج الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:١١٣] لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، ولذلك خصهم بنفي الإيمان بالآخرة؛ لأن الأيمان بالآخرة ينعكس في سلوك الإنسان، أما هؤلاء فلا نستغرب من أفعالهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة.

والحقيقة أن مما يتألم منه المسلم الحق أشد الألم ويشعر بالخزي ويشعر بالهوان ما يتكرر على أسماعنا بين وقت وآخر أن أختاً أسلمت، وقالت: أريد أن أهاجر إلى بلاد المسلمين حيث العلم وحيث الشريعة وحيث الالتزام بالدين، ثم يأتي أمثالها ويصدمون بالواقع الذي نحن عليه، فمنهم كما حكى لي ذلك بنفسه الأخ يوسف إسلام المغني الشهير الذي كان يسمى قبل إسلامه كات ستيفن وهو مطرب إنجليزي مشهور، حكى لي أنه أتى إلى مصر ليفزع إلى بلاد المسلمين ويجد البيئة الإسلامية والأحلام التي يتخيلها، فبمجرد أن نزل القاهرة ورأى الفساد في الشوارع، ورأى الانحلال والبعد عن الدين فزع إلى بريطانيا وقال: إن ديني في بريطانيا أقوى من تواجدي هنا.

لأنه يحاصر نفسه مع طائفة من إخوانه المتدينين الذين ما زالت عندهم طاعة الله أقوى من هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام انتساباً اسمياً أو جغرافياً.