للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المنهج السلفي طريق عزة المسلمين]

قال النبي عليه السلام: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) فالعز مرتبط بالرجوع إلى الدين.

وتعلمون قصة عمر لما ذهب إلى بيت المقدس، فاستقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ولما اقترب عمر من بحيرة صغيرة نزل عن الناقة وخلع نعليه ووضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام الناقة وخاض في الماء فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أنت تفعل هكذا؟! ما يسرني أن أهل الشام وبطارقة الشام استقبلوك، فقال رضي الله عنه: أوه! لو قال ذا غيرك يا أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم! وفي هذا فائدة: وهي مراعاة أقدار الرجال، قال: لو قال ذا غيرك لجعلته نكالاً، لكنه لم يفعل مراعاة لقدر أمين الأمة أبي عبيدة بن الجراح: قال: أوه! لو قال ذا غيرك يا أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، جملة شرطية وهي من صيغ العموم، مهما نبتغي العزة في غيره أذلنا الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:١٠]، فما دمنا نكفر بنعمة الله فإننا سنعود إلى ما كنا عليه أذل قوم، حتى إن أخبث خلق الله وأرذل خلق الله -وهم اليهود لعنهم الله- يذلوننا هذا الذل، ولا مخرج لنا منه إلا بالعودة إلى التماس العزة في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إن الباطل قد يعلو لكنه علو الزبد والاستكبار، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:١٧].

قال عليه الصلاة والسلام: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) وهذا أوضح دليل على أن التمكين لا يقع إلا بهذا المنهج، وتأملوا القضية! ليست قضية إقامة دولة، فهناك دولة تدعي زوراً أنها جمهورية إسلامية -وهي إيران- ولكنها وبال على الإسلام والمسلمين، وهناك صراع الآن يجري في أفغانستان بين هذه الفصائل المعروفة في أفغانستان، يقتل ويدمر بعضهم بعضاً كالوحوش الضارية ولا حول ولا قوة إلا بالله! وتأملوا موقفهم! ماذا كان موقفهم من العقيدة السلفية؟ قتل الشيخ جميل الرحمن بسبب منهجه السلفي، فهل هؤلاء يصلحون لأن يكونوا دولة إسلامية؟ لا بد أن يبنى البناء على أساس العقيدة والفهم الصحيح؛ الإمام مالك يقول: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: لم يظهر دين محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الأديان إلا بأهل السنة، فالصحابة جاهدوا وانتشروا في آفاق الأرض ينشرون نور الله سبحانه وتعالى في ربوع العالمين، وأحسنوا إلى البشرية هذا الإحسان.

إذاً: كلمة الله هي المتمثلة في المنهج السلفي أحسن تمثل، ونحن لسنا الذين نرفعها، إنما نحن نرتفع بها؛ نحن نرتفع بهذا المنهج، وإذا سلكناه فإننا نكون مستحقين للتمكين الذي وعده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، فكلمة الله لا يرفعها البشر؛ لأن كلمة الله مرفوعة على كل حال، ولذلك قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٣]؛ ويقول في الآية الأخرى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى} [التوبة:٤٠] وإعراب: (السفلى) يكون مفعولاً به ثاني، والمفعول الأول (كلمة)، هذا في قوله: (وجعل كلمة) أما قوله: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة:٤٠] فهذا استئناف وليست معطوفة على ما قبلها وإلا لكانت منصوبة؛ لأن كلمة الله عليا في كل الأحوال، والباطل يرتفع مثلما يرتفع الزبد أو الفقاعات الهوائية على سطح الماء لفترة محدودة، لكن لا تلبث أن تتلاشى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:١٧]، الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلينا كي نرفع كلمته، لكننا نرتفع بكلمة الله، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:١٠].

فمنهج أهل السنة والجماعة هو الدواء الأمثل الذي يستطيع التعامل بنجاح مع الأجواء التي انتشرت في واقع المسلمين المعاصر تماماً كما فعل من قبلنا، فهذا الواقع الأليم ليس له حل إلا أن نرفع شعارين: الأول مع بعض التجوز: الإسلام هو الحل، الثاني: السلفية هي الحل.

وقد سبق أن بينا أن الإسلام وحده لا يكون هو الحل، فالإسلام هو قرآن وسنة بفهم سلف الأمة، فإذاً: هناك شعار آخر، وحتمية الحل السلفي ليست مسألة اختيار، ولكنها طريق متعينة للتمكين لدين الله سبحانه وتعالى في الأرض، وأهمية ذلك تكمن في النماذج التي نراها.

الدولة الشيعية في إيران دولة تدعي أنها إسلامية، وفيها شيء كثير من الأشياء الطيبة -إذا سمعت عن أحوالهم- لكنها على غير أساس من العقيدة الصحيحة، فهي وبال على الإسلام في الحقيقة، وهذا موضوع طويل وكبير جداً لا نستطيع أن نخوض فيه الآن، والأفغان ضيعوا منهاج النبوة، وانتشرت فيهم الشركيات، ولم يهتموا بتصحيح العقيدة، وحاربوا السلفيين الذين دعوهم إلى العقيدة، فكان ما كان وما نراه الآن من هذه المآسي.

وأقول أخيراً: المنهج الوحيد الذي قدر على أن يقيم دولة في هذه العصور المتأخرة، وهو المنهج الوحيد الذي قام على منهج السلف: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والتي لا زالت أصداؤها وبركاتها إلى اليوم وإلى ما شاء الله سبحانه وتعالى تتردد في ربوع العالمين.