وهذه المشكلة ليست في الحقيقة لب المشكلة؛ بل لب المشكلة هو أن موضوع غزة وأريحا والأشياء التي فعلوها قبل ذلك كانت عملية البدء بالأسهل فالأصعب، أو الترقي من الأسهل فما فوقه، على أساس أن تكون هناك فترة يحصل فيها ترويض لمشاعر المسلمين، ومحاولة لإعدام الحساسية عندهم، خاصة الحساسية العقدية، وذلك عن طريق إضعاف المناعة في الأمة كما هو معلوم.
واليهود في كل أحوالهم ينطلقون من عقيدة راسخة، فاسم دولتهم اسم ديني وهو:(إسرائيل)، ودستور الدولة اليهودية هو التوراة، وليس لهم دستور كأي دولة في العالم، وكل منطلقاتهم تنطلق من عقيدة، هذه العقيدة هي: أنه لا حظ للمسلمين في القدس، وقد قال بن غوريون وهو يصيغ هذه العقيدة في كلمة مركزة له، قال: إنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل.
فنحن نتكلم وبعض الناس يتعامل مع المشكلة وكأنهم في حالة تخدير، أو مغيبون تماماً عن الوعي، مع أن هذه حقائق صارخة، فاليهود أعدوا الخطط لهدم المسجد الأقصى، نموذج الهيكل الذي ينوون إعادة بنائه موجود، وما حصل من السفاح المجرم شارون في صبرى وشاتيلا وغيرها هو في الحقيقة عملية مقصودة؛ لأنها نوع من اختبار الحساسية، مثلما يفعل مع من يستحق البنسلين مثلاً، فإنه يعمل له أولاً اختبار حساسية ليرى رد فعل الجسم كيف سيكون، ونفس الشيء هنا؛ لأنهم يظنون أن الوقت قد اقترب لإعادة بناء الهيكل، وذلك لن يكون إلا بعد هدم المسجد الأقصى، نسأل الله سبحانه وتعالى ألا يمكنهم من ذلك، فهذا اختبار حساسية ليروا نتائج ما تمخض عنه ترويض المسلمين في خلال تلك السنوات الماضية، فشاء الله سبحانه وتعالى أن يعرف العالم كله أن هذه الأمة ولو هزمت، أو تخاذلت جيوشها، فإنها لا تهزم روحها، ولا يهزم إيمانها على الإطلاق.
وهذه الأحداث وما فيها من مآسٍ ومرارة وإجرام يهودي لا تستغرب من أمثال اليهود، فقد حصل بالأمس أو صباح اليوم أن خطف جنود اليهود واحداً من إحدى المدن الفلسطينية، وأخذوا يعذبونه ويحرقون السجائر في جسده بعد الضرب والركل، وأحرقوا عينيه وأجزاء أخرى من بدنه إلى أن استشهد رحمه الله تعالى، ثم رموه بعد ذلك، وهذه وحشية ليس لها مثال، وهذا شيء لا يستنكر من اليهود أعداء البشرية كلها، وقد قال فيهم هتلر: أنا أبدت نصف اليهود، وتركت النصف الباقي حتى تعرف البشرية لماذا قتلت النصف الأول.
أي: حتى يذوق الناس أخلاق اليهود، وطبائع اليهود، ولؤم اليهود ومكرهم.
ولكن جميع محاولات إضعاف المناعة في الأمة المسلمة باءت بالفشل، وكل المحاولات التي جرت في هذه الفترات الأخيرة تبخرت وتلاشت كالفقاقيع، وهذا أسلوب معروف، فإن الأطباء عندما يريدون أن يزرعوا جسماً أجنبياً في داخل جسم المريض، فلابد قبل الزراعة أن يعطوا المريض أدوية تضعف المناعة، بحيث يكون الجسم مهيأ لقبول ذلك الجسم الغريب إذا زرع فيه ولا يرفضه، وكذلك أيضاً عملية الغزو الفكري للمسلمين، وترويض المسلمين، وتخدير المسلمين، وتزييف التاريخ، والحملات الإعلامية، وتسليط الشهوات والشبهات على الشباب المسلم، وتخويف الناس من التدين، والصد عن سبيل الله، وكل هذه الصور تصب في مجرى واحد وهو: إضعاف المناعة عندهم؛ حتى يسهل لليهود بعد ذلك أن يركبونا كالحمير، كما ينصون على ذلك في تلمودهم: إن البشر لم يخلقوا إلا ليركبهم اليهود كالحمير، وهذا في التلمود أحد كتبهم التي يقدسونها، والتي ينطلقون منها، فذهاب هذا الخبيث السفاح المجرم النجس حتى يدنس المسجد الأقصى، إنما هو محاولة لاختبار ما سيفعله المسلمون، وهنا تنبيه وهو: أن المسجد الأقصى ليس هو قبة الصخرة، ولا الجزء الصغير المبني، بل كل هذه الساحة هي المسجد الأقصى.