حكم من تأوّل صفات الله سبحانه وتعالى
السؤال
من المعلوم أن بعض العلماء الذين نهجوا منهج الخلف في فهم صفات الله سبحانه وتعالى قد لجئوا لأسلوب تأويل هذه الصفات؛ خشية الوقوع في التشبيه، فما الحكم في هؤلاء؟
الجواب
هم يؤولون قوله تعالى: (استوى على العرش) بمعنى: (استولى!) أو (يد الله) بمعنى: قوة الله، وهكذا، والذي يجب هو أن نسلك مسلك السلف في إجراء هذه الصفات على ظاهرها، بدون تشبيه وبدون تعطيل كما هو معلوم.
يقول الشنقيطي رحمه الله: ونحن نرجو أن يغفر الله تعالى للذين ماتوا على هذا الاعتقاد؛ لأنهم لا يقصدون تشبيه الله بخلقه، وإنما يحاولون تنزيهه عن مشابهة خلقه، فقصدهم حسن، ولكن طريقهم إلى ذلك القصد سيء، وإنما نشأ لهم ذلك السوء بسبب أنهم ظنوا لفظ الصفة التي مدح الله بها نفسه يدل ظاهره على مشابهة صفة الخلق.
أي: لما سمعوا قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] فأول ما سمعوا كلمة (بيدي) تخيلوا ما هو معهود لديهم من صفات المخلوقين فوقعوا في التشبيه، ثم قالوا: ينبغي أن نبطل هذا التشبيه؛ لأنه كفر فقادهم ذلك إلى التعطيل، فنفوا الصفة.
فهم في بداية الأمر وقعوا في التشبيه أصلاً، وظنوا أن ظاهر اللفظ هو التشبيه، فلذلك وقعوا في النفي حتى يتفادوا التشبيه، ولو أنهم منذ البداية قالوا: إن ظاهرها هو ما يليق بالله سبحانه وتعالى لَمَا وقعوا في التشبيه ولا في التعطيل.
يقول: فنفوا الصفة التي ظنوا أنها لا تليق قصداً منهم لتنزيه الله، وأوّلوها بمعنىً آخر يقتضي التنزيه في ظنهم، فقالوا: (استوى على العرش) أي: استولى على العرش.
فهم كما قال الشافعي رحمه الله تعالى: رام نفعاً فضر من غير قصد ومن البر ما يكون عقوقا يقول: ونحن نرجو أن يغفر الله لهم خطأهم، وأن يكونوا داخلين في قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:٥].
وخطؤهم المذكور لاشك فيه، ولا يصح أن يأتي إنسان فيقول: هناك علماء وأئمة يؤولون صفات الله فكيف تخالفونهم؟ فأقول: لسنا نحن الذين نخالفهم، لكنهم خالفوا من هُم أجلّ منهم قدراً وأعظم منهم علماً، ألا وهم أئمة السلف في القرون الخيرية الأولى ومن تبعهم بإحسان.
إذاً: ليست المسألة أن إنساناً متأخراً يتعقب علماء الخلف، وإنما بعض رجال الخلف خالفوا قول السلف الذين هم أعلم الأمة بدينهم، فيكون خطؤهم المذكور لا شك فيه، ولو وفقهم الله لتطهير قلوبهم من التشبيه أولاً وجزموا بأن ظاهر صفات الخالق هو التنزيه عن مشابهة صفة المخلوق لسلموا مما وقعوا فيه.
فمثلاً: لو أنهم من البداية سمعوا قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] فقالوا: استوى استواءً يليق بجلال الله، ولا ندري كيف هو؛ لأنه لا يعلم كيف هو إلا هو لسلموا.
فأي شيء تتخيله عن الله سبحانه وتعالى بعقلك فاعلم أن الله ليس على تلك الصفة، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] فلا شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم عالم كل العلم بأن الظاهر المتبادر مما مدح الله به نفسه في آيات الصفات هو التنزيه التام عن صفات المخلوقين، ولو كان يخطر في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم أن ظاهر هذه الصفات لا يليق بالله لأنه تشبيه بصفات الخلق لبادر كل المبادرة إلى بيان ذلك، ولكنه لم يفصّل؛ لأنه يعلم أن الصحابة يفهمون أن ظاهر هذه الصفات هو ما يليق بالله وليس ما يقتضي التشبيه؛ لأنه لا يجوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، ولا سيما في العقائد وفيما ظاهره الكفر والتشبيه.
إذاً: لو كان ظاهره يخالف ما يليق بالله سبحانه وتعالى لنفاه النبي صلى الله عليه وسلم، فكونه لم يبين ذلك فمعناه أن الظاهر هو ما يليق بالله، وليس الظاهر هو ما يعرفه المخلوقون، فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان هذا يدل على أن ما زعمه المؤولون لا أساس له من الصحة.