[الاستشهاد في ساحة القتال]
العلامة الرابعة: الاستشهاد في ساحة القتال: قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٦٩ - ١٧١].
وفي ذلك أحاديث منها قوله صلى الله عليه وآله سلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه)، وهذه كلها للشهيد.
ومن أجل ذلك وجدنا المجاهدين في جميع الأعصار يتسابقون إلى الموت في سبيل الله تبارك وتعالى؛ لأن هذا أكثر ما يضمن به الإنسان غفران ذنوبه، ويؤمن أنه سوف ينتقل إلى الجنان وإلى النعيم في جوار الرحمن تبارك وتعالى، وأعظم ما يفزع أعداء المسلمين أن تستيقظ فيهم حاسة الجهاد، وينادى فيهم بالجهاد المقدس في سبيل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، حتى اليهود في هذا الزمان وفي هذه الأوضاع التي نعيشها اليوم، أخوف ما يخافون أن يعود النداء الديني أو الجهاد الديني المقدس، فهذا هو الذي يهابونه، أما العلمانيون، أما الفلسطينيون الذين يريدون أن يحرروا الأرض، ويقيمون الدولة العلمانية، وينالون المآرب؛ فهؤلاء لا يساوون عند اليهود جناح بعوضة، لكن أخوف ما يخافه اليهود -مع الضعف الذي عليه المسلمون الآن- أن يعود المسلمون إلى الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فهم يعلمون أن ذلك كائن، كما نعلم ذلك نحن أيضاً.
لما رفعت راية الجهاد نقية من الشوائب في أفغانستان، هرع آلاف الشباب من جميع أقطار الأرض يلبون ذلك النداء ويبذلون دماءهم، حتى كان بعض الإخوة -رحمهم الله- إذا نزلوا في المطار في باكستان يمزقون جوازات السفر، إمعاناً في إشهاد الله أنهم لا يريدون العودة من حيث أتوا، وإنما يريدون أن يذهبوا إلى الجنة من خلال الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فكان ما كان من إعادة لنماذج السلف الصالح رضي الله عنهم في البذل والتضحية في سبيل هذا الدين.
فانظر كيف يكون الأمر لو كان هذا الجهاد في القدس أو في سبيل تحرير المسجد الأقصى، أو استعادة فلسطين المسروقة المبيعة، فما من شك أن اليهود لهم حق في أن يخافوا من عودة النداء للجهاد الإسلامي في سبيل الله تبارك وتعالى، وما من شك أن هذا كائن لا محالة، ونجزم بذلك تماماً كما نجزم بأن الشمس ستشرق غداً من المشرق.
الشاهد أن الذي يدفع المسلم إلى الجهاد، وخوض ساحات القتال في سبيل الله؛ هو الطمع في الثواب، واليقين بأن ما عند الله خير وأبقى.
من لم يمت بالسيف مات بغيره تنوعت الأسباب والموت واحد ويعلم أيضاً أنه لن يموت إلا بأجل قد كتبه الله وقدره، كما يقول الشاعر: أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أو يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر وكما قال أبو بكر رضي الله عنه ناصحاً خالداً رضي الله عنه: احرص على الموت توهب لك الحياة.
وقال خالد رضي الله تعالى عنه وهو يحتضر: ما من موضع في بدني إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على سريري كما يموت البعير! فلا نامت أعين الجبناء.
والسر الذي لا يفقهه أعداء الإسلام، أن المسلم إذا قتل عدواً من أعداء الله أو قتله عدو الله؛ فإن له الثواب الجزيل عند الله تبارك وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه) ربما تقاعس الإنسان عن الجهاد في سبيل الله خشية أن يلقى الله فيؤاخذه الله بذنوبه، فمهما كانت ذنوبه إذا أقبل على الشهادة في سبيل الله، فالشهادة ضمان وتأمين أن تغفر جميع ذنوبه بأول دفعة تخرج من دمه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن السيف محاءٌ للخطايا).
(ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه).
وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟! قال صلى الله عليه وسلم: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة).
فمن أجل فتنته وامتحانه واقتنائه لأسمى الجهاد، فإن الجزاء من جنس العمل، فإن الله يقيه الفتنة إذا نزل في قبره بخلاف كل مؤمن، فإن كل مؤمن يفتن في قبره، ويضيق عليه حتى تختلف أضلاعه -أي: ضلوع الصدر تتشابك من شدة الضغط-، فهذه الضغطة لا ينجو منها أحد، ولو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ، ولنجا منها هذا الصبي كما أخبر عليه الصلاة والسلام.
أيضاً ترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصاً من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه).
فالعبرة بالصدق وبالنية، فمن طلب الله عز وجل الشهادة وكان صادقاً وجازماً بأنه إذا رفعت راية الجهاد في سبيل الله، فإنه لن يتقاعس وسيقدم على بذل روحه ومهجته، فإن الله يكافئه بهذه النية، فيبلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه.