[حال الصحابة في الاستكثار من الأولاد]
الدعوة الصريحة إلى كثرة النسل معروفة في السنة المطهرة، وكذلك في سير الصحابة رضي الله عنهم، فعن أنس رضي الله عنه قال: (قالت أمي: يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له؟ فقال: اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته)، رواه البخاري.
فبورك لـ أنس رضي الله عنه في ولده حتى رأى مائة ولد من صلبه قبل أن يموت.
وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أيضاً رأى مائة من صلبه قبل أن يموت، وكما دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـ أبي طلحة لما مات ابنه، فقال له: (لعل الله يبارك لكما في ليلتكما، فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن)، رواه البخاري ومسلم.
وعن أسماء رضي الله عنها: (أنها حملت بـ عبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متمّ -أي: على وشك الولادة- فأتيت المدينة، فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته، ثم دعا بتمرة، فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له فبرّك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام -أي: بعد الهجرة- ففرحوا به فرحاً شديداً) أي: فرح جميع المسلمين في المدينة به فرحاً شديداً؛ لأن عدد الموحدين زاد واحداً، وعدد جنود الله زاد جندياً، ولو أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أرادت التحديد في النسل، ولم تنجب عبد الله بن الزبير، فكم كان سيفقد التاريخ الإسلامي تلك الأمجاد التي أسسها عبد الله بن الزبير؟ وكم كنا سنحرم معشر المسلمين من هذه البركات التي قدّمها ابن الزبير؟ وانظر إلى صلاح الدين الأيوبي أو ابن سامية أو محمد بن عبد الوهاب أو الأئمة الأربعة أو غيرهم من هؤلاء الأعلام والعباقرة الذين تصدروا مجالات الجهاد والعلم والعمل والعبادة وغير ذلك، ولو اتخذت أمهاتهم هذه السبيل الشيطانية الكنسية فكم كانت ستحرم الأمة؟! ونحن نحرم الآن -بسبب هذه السياسة الشيطانية الكنسية- من كثير من العباقرة، لعله يكون في أحدهم مخرج للأمة مما هي فيه من الضياع.
فانظر كيف فرح المسلمون بمولد ابن الزبير وهم لا يعلمون الغيب؟ وإنما كان فرحهم لمولد مسلم موحد، وهو أول مولود ولد بعد الهجرة، فلماذا فرحوا به فرحاً شديداً؟ وما سرّ هذا الفرح؟ لأنه قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم، فلا يولد لكم! رواه البخاري ولأنهم كانوا يعلمون حرص اليهود على تقليل نسل المسلمين، كما يحصل الآن، فالدول الأوروبية والغربية -وبالذات الشيطان أمريكا- تضغط بكل ثقلها حتى تضعف وتنقص عدد المسلمين، وتقلل عدد الموحدين، في نفس الوقت تجد التكثير الهائل لعدد اليهود لعنهم الله، ففي فلسطين المسروقة تجد أنهم يجتمعون من كل أنحاء الأرض: من روسيا من الهند من شتى بقاع الأرض، يجتمعون إلى ما يسمونه (أرض الميعاد) ويسلكون كل وسيلة من أجل تكثير نسلهم، أما عند المسلمين فيكون الأمر بالعكس، كما ترون.
وفي رواية ابن سعد قال: (فلما ولد عبد الله بن الزبير كبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيراً) يعني: لميلاد ابن الزبير رضي الله عنهما.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه: (اللهم زدنا ولا تنقصنا).
وطلب الزيادة يشمل أي زيادة عددية أو نوعية؛ لأن الكثرة التي هي كغثاء السيل لا شأن لها، ولا قيمة لها، وإنما المقصود: أن يكثر النسل ويحصل اهتمام بتربيته وتوعيته وإعداده ليكون جندياً في سبيل الله تبارك وتعالى، فقوله: (اللهم زدنا) أي: زدنا من كل خير، ومن أعظم الخير: الذرية.
وقد بين القرآن أن نقصان الأنفس مصيبة وبلاء، يقول تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥].
وفسّر بعض العلماء الأنفس: بأنها هي أنفس المقاتلين والمجاهدين، والثمرات فسّروها بأنها: الذرية والأولاد.
والصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم تفاعلوا مع هذه التوجيهات الإلهية والنبوية أعظم التفاعل، وعملوا بها، فكان منهم أولاد كثيرون رضي الله عنهم، فمثلاً: خالد بن الوليد رضي الله عنه كان له عدة زوجات، وأنجب أكثر من أربعين ولداً، منهم: سليمان، وعبد الرحمن، والمهاجر، وهؤلاء هم الذين بقوا من أولاده بعد أن مات من أولاده نحو أربعين في سنة الطاعون بمدينة حمص بالشام.
وكان للأقرع بن حابس عشرة من الولد، بلغوا مبلغ الرجال في حياته، واشتركوا معه في جهاد الروم تحت راية خالد بن الوليد، واستشهدوا جميعاً معه في موقعة اليرموك.
وكان للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عشرة من الولد أيضاً، أصغرهم: تمام، وكان العباس رضي الله عنه يقول: تموا بـ تمام فصاروا عشرة وكان لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدة أولاد، منهم: عبد الله، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، وعاصم، وزيد، ورقية من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، فإن علياً رضي الله عنه زوّج ابنته أم كلثوم من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فتباً للشيعة الذين يُكفّرون أمير المؤمنين عمر، ويزعمون أن العداوة قائمة بين هؤلاء الأصحاب! وكذلك عبد الله بن عمر كان له عدة أولاد بلغوا مبلغ العلم والرواية، منهم: عبد الله، وعبيد الله، وسالم، وبلال، وزيد، وحمزة سوى ما له من الإناث.