للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب المصائب التي تحل بالمسلمين إسناد الأمر إلى غير أهله]

من نظر في تأريخ الأمة الإسلامية علم أن مرض توسيد الأمر إلى غير أهله الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد البلايا الكبار التي أصابت المسلمين إصابات كبيرة حين تولى أمر الأمة وقتها رجال مستبدون لا يطيقون سماع رأي مخالف لما يرونه، ففي الحديث عن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد عليهم، يتقاحمون في النار كما تقاحم القردة) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأبو يعلى وصححه الألباني.

بعض الحكام تشغلهم الشهوات والمتع عن رعاية أمور المسلمين، وبعضهم لا يعرف الحق، فإذا به يحمل الناس على ما لا يعرفون، وينشر بينهم البدع والضلالات والمنكرات.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستكون أمراء تشغلهم أشياء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فاجعلوا صلاتكم معهم تطوعاً) يعني: صلوا الصلاة في أول الوقت، ثم إذا خرجوا إلى الصلاة فصلوا وراءهم وانووا بها النافلة.

وروى مسلم وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع لم يبرأ).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ويحدثون البدع، قال ابن مسعود: فكيف أصنع؟ قال: تسألني -يا ابن أم عبد - كيف تصنع؟! لا طاعة لمن عصى الله).

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن بالخروج على أمثال هؤلاء الحكام الذين كانوا يقيمون الصلاة ولكن يؤخرونها عن مواقيتها لما يترتب على ذلك من الفتن وسفك الدماء، فلا يجوز الخروج عليهم ماداموا آخذين بشريعة الله على وجه العموم، ففي سنن النسائي وصحيح ابن حبان بإسناد صحيح عن عرفجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة -أي: يريد أن يفرق أمة محمد صلى الله عليه وسلم- كائناً من كان فاقتلوه، فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض).

والمقصود أن واقعنا اليوم يشهد باقتراب الساعة، فقد ظهرت هذه العلامة ظهوراً بيناً، فصار يوسد الأمر إلى غير أهله، خاصة في وظيفة التشريع التي لا يمكن أبداً أن يوجد في البشر من يكون أهلاً لها، قال الله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٨٠] فهذا مما لا ينبغي إلا لله تبارك وتعالى.

وتوسيد الأمر إلى غير أهله أحد أشراط الساعة، والعلامات الكبار التي تكون قبل قيام الساعة كثيرة، ونقف اليوم عند أعظم فتنه تقع على الإطلاق في تاريخ البشر.