كذلك نجد لفظ الجماعة يعني موافقة الحق على وجه العموم، كما قال ابن مسعود:(الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك)، ثم نجد أن كلمة الجماعة خصت -أيضاً- بمسائل العقيدة التي انحرف فيها المبتدعة، فمن ذلك -مثلاً- قول أبي حنيفة رحمه الله: الجماعة أن تفضل أبا بكر وعمر وعلياً وعثمان، ولا تنتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكفر الناس بالذنوب، وتصلي على من يقول: لا إله إلا الله وخلف من يقول: لا إله إلا الله، وتمسح على الخفين إلخ.
فذكر أشياء اختص بها أهل السنة دون أهل البدع، رغم أن السنة ليست فقط هذه الأشياء، والعقيدة ليست فقط هذه الأشياء، لكنه ذكر أهم الأشياء التي تميز أهل السنة عن أهل البدع الذين كان يتكلم في شأنهم، فيقول: الجماعة أن تفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً.
لماذا؟ لأن أهل البدع خالفوا في ذلك، ولا تنتقص أحداً من أصحاب رسول الله، وذلك لأن هؤلاء خالفوا في ذلك، فيراد بكلمة الجماعة أحياناً التميز العقائدي عن أهل البدع في بعض هذه القضايا الخاصة.
وكما عرف الإمام أبو حنيفة الجماعة ببعض أصولها نجد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -أيضاً- يجعل الالتزام بمصادر التلقي عند أهل السنة هو الفيصل بين أهل السنة والجماعة وبين من عداهم، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة.
فهنا نظر شيخ الإسلام من زاوية أخرى، وهي الالتزام بمصادر التلقي المعتبرة عند أهل السنة والتي يهدرها غيرهم من المبتدعة، ويقول شيخ الإسلام: فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة، وهم يَزنُون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال مما له تعلق بالدين.
ولما كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة، بخلاف أهل الأهواء الذين يرون القتال للأئمة من أصول دينهم وجدنا من يفسر الجماعة بأنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على إمام، ومنه ما جاء في الحديث:(تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، ومنه ما رواه الطبري بسنده أن عمر بن حريث سأل سعيد بن زيد فقال: فمتى بويع أبو بكر؟ قال:(يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة)، فهنا جاء التعبير عن الجماعة بالوحدة السياسية واجتماع المسلمين على الخليفة أو أمير المؤمنين.
ومن أصول أهل السنة الاعتصام بحبل الله جميعاً، وعدم التفرق والتنازع، روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال:(اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة) وقوله: (فإني أكره الاختلاف) أي: الخلاف الذي يؤدي إلى النزاع والفرقة (حتى يكون الناس جماعة) وبهذا المعنى سمي العام الذي تنازل فيه الحسن لـ معاوية رضي الله عنهما عن الخلافة سمي بعام الجماعة، لاجتماع الناس وانقطاع الحرب.